تشهد المحاكم الجزائرية ارتفاعا متزايدا لقضايا الضرب والاعتداء التي راح ضحيتها عشرات الأطفال الذين اقتادوا أساتذتهم لقاعات المحاكمة، أين يقف القاضي حيرانا، وهو يحاكم أستاذا، شاب شعره في تربية الأجيال، وهو الذي درسه يوما ما، مما دفع بالمختصين والأطباء إلى المطالبة بإعادة النظر في الظروف البيداغوجية والاجتماعية للأساتذة الذين دفعتهم الضغوط إلى ارتكاب أخطاء قضت على حصيلة سنوات طويلة من الجهد والعطاء.
حالة من الأسى والحزن تنتابك وأنت تشاهد مربي الأجيال واقفا مطأطأ رأسه أمام القاضي تواجهه أصابع الاتهام، وهو مهدد بسنوات طويلة من السجن، بعدما تخرج على يده مهندسون وأطباء ودكاترة..، هذا ما حدث لأستاذ مادة العلوم الطبيعية الذي دفعته الظروف والضغوط إلى التعدي جسديا على تلميذة عمرها 13 سنة من داخل المؤسسة التربوية، ليتابع قضائيا بتهمة الضرب والجرح المؤدي إلى عاهة مستديمة، حيث حركت الشكوى لدى مصالح الأمن بتاريخ 07 أفريل2008، من طرف والد الضحية الذي أبلغ عن جريمة اعتداء ضد ابنته المتواجدة على مستوى مستشفى سليم زميرلي بالعاصمة، أصابها نزيف داخلي بالرأس، ودخلت في حالة غيبوبة، وتم تحميل الأستاذ كافة المسؤولية، والذي اتهم بضرب الضحية، وهذا بعد شهادة إحدى التلميذات التي تدرس مع الضحية بذات الصف، هذه الأخيرة أخبرت والد الضحية أن مدرس العلوم قام بضرب ابنته، التي وجدها في حالة لاوعي، فسارع لنقها إلى المستشفى، وقدم بعد ذلك شكوى ضد الأستاذ حسب ما نقلته صحيفة " الشروق".
وفي قضية أخرى فقد البرعم "ع.محمد" المنحدر من ولاية ورڤلة بصره بصفة نهائية، وضاع مستقبله بعد أن فقد عينه اليسرى نتيجة تعرضه للضرب من قبل معلمته مسببة له عاهة مستديمة، قصة مأساوية لطفل بريء قضت معلمته بإحدى مدارس الولاية على أحلامه وأماله حين انهالت عليه ضربا وعمره ثمانية سنوات، بعد حدوث فوضى في القسم من بعض الأطفال المشاغبين ليدفع ثمنها، فبصفعة واحدة قاسية وقوية ارتطم وجه الصبي بحافة الطاولة ونزف دما بعد أن أصيب في عينه اليسرى.
والغريب أن المعلمة انتظرت إلى غاية انتهاء ساعة الدوام الرسمية، لينقل إلى المستشفى بعد مغادرته قاعة الدراسة من قبل فاعل خير، بلغ الخبر مسامع والديه فتم رفع شكوى ضد المعلمة التي رفضت الاعتراف بالواقعة بالرغم من شهادة زملائه التي لم تؤخذ بعين الاعتبار، وتم محاكمة المعلمة أمام محكمة الجنايات، وصدر قرار بانتفاء وجه الدعوى، بالرغم من الطعن المقدم من قبل الضحية الذي تم رفضه، ليبقى الطفل مشوّه الوجه بنسبة 60 بالمائة وضاعت حقوقه.
يعتدي على تلميذه ويتسبب في إفقاده حاسة السمع
جاء الاعتداء هذه المرة من قبل معلم بالطور المتوسط، حين أقدم الأستاذ"ح.ح" بضرب تلميذه البالغ من العمر 14 سنة والتهجم عليه، مسببا في إصابته بثقل في السمع وعجز قدره 10 أيام. الحادثة وقعت بتاريخ 18 فيفري 2010 في حدود الواحدة والنصف بعد الزوال، عندما سمع الأستاذ ضجيج وصراخ في القسم المجاور أثناء حصة اللغة العربية، والذي يدرس به التلميذ الضحية. حيث انفلت الوضع من يد الأستاذة، ولم تتمكن من التحكم في التلاميذ، فتدخل المتهم في قضية الحال وحاول تهدئتهم ثم أرسل إحدى الطالبات إلى مكتب المراقب العام الذي جاء مصحوبا بمجموعة من الأساتذة وطلب من التلاميذ المشاغبين، والمتسببين في الفوضى وعددهم 9 من بينهم الضحية الخروج من القسم، ومرافقته إلى المكتب كي يسلم لهم استدعاء لحضور أولياءهم فامتثل الجميع باستثناء "ب.م" الذي راح يصرخ ويتلفظ بكلام قبيح على مسامع الأساتذة وزملاءه، فاضطر المتهم إلى جره من ثيابه كي يخرجه من القسم حتى يكون عبرة لزملائه، بمجرد رجوع الضحية إلى المنزل روى لوالده الحادثة، وبتاريخ 20 فيفري من نفس العام، أودع شكوى لدى مصالح الأمن صرح فيها أن ابنه تعرض للضرب والتعذيب على يد معلم الرياضيات مقدما شهادة من الطبيب الشرعي، تثبت عجزه لمدة 10 أيام، وأن المعلم صفعه على وجنته، فأحدث له ثقلا في السمع، غير أن الضحية في محاضر الشرطة كان قد أفاد بأن الأستاذ دفعه على الطاولة فارتطمت بصدره وهو مغاير لتقرير الطبيب الشرعي.
معلمة تعتدي على تلميذ بأنبوب مطاطي"تيو"
استعملت معلمة الطفل في الصف الأول "أمجد" المنحدر من ولاية خنشلة، أنبوب مطاطي في تنفيذ اعتدائها على البرعم الصغير، مسببة له أضرار جسيمة على مستوى ذراعيه، صدره وبطنه وحتى رأسه دون رحمة ولا شفقة، بدون سبب كلفه تورم وكدمات خطيرة نتيجة الضرب المبرح، كتم الصبي الألم ورفض العودة إلى المدرسة، إلا أن والدته اكتشفت جريمة ارتكبت في حق فلذة كبدها، حين استفسر عن سبب امتناعه مزاولة الدراسة.
الحادثة الأليمة هزت أولياء التلميذ، الذين قيّدوا شكوى بعد عرض ابنهما على طبيب شرعي، حرر له شهادة عجز لمدة 9 أيام وشهرا كاملا من طرف الطبيبة النفسانية، نتيجة الصدمة النفسية العنيفة وحالتي الخوف والذعر الشديدين اللتين حالتا دون التحاقه بمقاعد الدراسة، فهل ستعاقب الفاعلة ويتم اتخاذ إجراءات ردعية ضدها؟.
قصة "محمد" انطلقت إثر معاناته من مرض في عينيه وخضوعه لعلاج ومتابعة طبية مكثفتين، استدعت ارتدائه لنظارات طبية كون رؤيته ضئيلة، وخلال فترة الراحة قرر اللعب مع زميله في ساحة المدرسة لعبة الشرطي واللصوص، ليمسك أثناء اللعب بمئزر زميله الذي تمزق، لتتدخل المعلمة وصفعته بقوة، أين تضرر من عينيه، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل أرسلت المئزر الممزق معه للبيت، وهو ما أزعج الأب الذي قرر مرافقة ابنه على الساعة الواحدة إلى المدرسة، وبمجرد مقابلته لمعلمة ابنه عبّر لها عن استيائه ورفضه مد يدها على ابنه مرة ثانية، خاصة مع وضعيته الصحية المتدهورة، لكنها عاودت صفعه أمام والده مرتين، وأبلغته أن ابنه قليل الأدب، وراحت تهدده وتتوعده بزوجها باعتباره ضابط شرطة.
وبعد الحادثة ازداد الوضع الصحي للطفل"محمد" تأزما، استدعى عرضه على طبيبه الخاص الذي حرر له شهادة طبية وعجز لمدة 15 يوما، بعد إصابته بآلام حادة، وتم إيداع شكوى ضدها، إلا أنها حاولت التملص من المسؤولية خلال الجلسة وتكذيب الاتهامات، مؤكدة على أنها كانت تربطها بوالد التلميذ علاقة حسنة وأنها استقبلت الأب، بالرغم من أنه ليس اليوم المخصص للاستقبال وبأن الأب كان غاضبا، وأنها لم تلحق ضررا بالتلميذ.
المحامي"مهدي عمر" للشروق:
عقوبات من 10 إلى 20 سنة سجنا ضد مرتكبي الاعتداءات
أثرى المحامي المعتمد لدى المحكمة العليا"مهدي عمر" مداخلته في اتصال هاتفي بـ"الشروق" حول العنف المرتكب من قبل أساتذة التعليم ضد التلاميذ بذكر المادة264 من قانون العقوبات، المتضمنة في الفصل الأول ارتكاب أعمال العنف للغير أو الضرب عن طريق الاعتداء ومعاقبة مرتكبيها من شهرين حبسا نافذا إلى 5 سنوات حبسا، ومن غرامة مالية من 500 ألف دينار إلى 10 ألاف دينار في حال نتج عجز كلي لمدة تتجاوز 15 يوما بالنسبة للشهادة الطبية.
وأردف ذات المتحدث في تصريحه أن أعمال العنف المتضمنة بتر أحد الأعضاء أو الحرمان من استعماله أو فقدان البصر أو إحدى العينين أو عاهة مستديمة يعاقب مرتكبها من السجن المؤقت من 5 سنوات إلى 10 سنوات حبسا نافذا، في حين تضمنت الفقرة الثالثة من نفس المادة أن الاعتداء المفضي إلى وفاة دون قصد إحداثها يعاقب بالسجن من 10 إلى 20 سنة حبسا، كما تشترط المادة264 تقديم شهادة طبية تثبت الضرر الكلي أو العجز، فأقل من 15 يوما شهادة طبية تعتبر جنحة باستعمال السلاح الأبيض "عصى، مسطرة، أنبوب بلاستيكي" وتفوق 15 يوما تعتبر جنحة.
وأكد المحامي"مهدي" أن اجتهاد المحكمة العليا لايأخذ الشهادة الطبية دائما بعين الاعتبار على أساس سن تاريخ وقوع الحادثة مدة العجز، وفي قضية الحال لا يمكن أن تحدد الفاعل أو مقترف الاعتداء إلا في حالة توفر شهادة طبية مرفقة بشهود على الواقعة.
رئيس فيدرالية الاتحاد الوطني لعمال التربية والتكوين لـ"الشروق":
نوبات عصبية قريبة للجنون وراء تصرفات بعض الأساتذة
رفض رئيس فيدرالية الاتحاد الوطني لعمال التربية"صادق دزيري" كل أنوع العنف الممارسة ضد التلاميذ، وحسب تقديره اعتبر الموقف ليس ظاهرة بل عينات خطيرة قاسية من حيث المعاملة، ولابد من فتح تحقيقات معمقة وأولية، مرجحا أن السبب الرئيسي وراء العنف، الحالات النفسية للأساتذة، باعتبارهم يمارسون المهنة تحت ضغوطات ونوبات عصبية قريبة إلى الجنون، ومعاناة البعض من أمراض مزمنة، لذا لابد من إبعاد الأستاذ عن الحجرة الدراسية وتوظيفه بمناصب مكيفة كمساعد للمدير أو بمصلحة الأرشيف.
وأشار ذات المتحدث إلى العنف الممارس على الأستاذ من قبل التلاميذ، أين ذهب الحياء من وجه بعض التلاميذ وسادت عبارة "قريني وأنا سيدك" لتندثر قيمة المعلم بتصرفات التلميذ اللاأخلاقية، وهنا يقع الأستاذ في مأزق بين معاقبته وتركه يتمادى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق