الجمعة، 17 فيفري 2012

أصحابها يتنقلون ''زنقة زنقة وبيت بيت'' ما بين التشكيلات الحزبية: ''الشكارة'' تبحث عن عقد قران حزبي لـ5 سنوات عسل في البرلمان

لا تكاد تجد حزبا سياسيا لا يحدثك عن تلقيه عروضا ''مغرية'' من أصحاب المال، نظير إيجاد ظهر يركبونه في قائمة انتخابية توصلهم إلى البرلمان. والعروض المقترحة من قبل أصحاب ''الشكارة ''، حسب قيادات بعض الأحزاب، ليس من السهل مقاومتها خصوصا من طرف الأحزاب التي تعاني شحا في حساباتها المالية بسبب ضعف مساهمات مناضليها أو عدم وجودهم أصلا. ورغم إصدار قانون حالات تنافي العهدة، لمنع الجمع بين الوظائف، غير أن هذا ''الحاجز'' القانوني ليس بوسعه منع اختلاط المال الوسخ بالسياسة أو بالحصانة، في ظل تشجيع الأحزاب على التجوال السياسي وإقصاء مناضليها على حساب فرض ترشيحات من خارج الحزب لضرورات مالية وأخرى انتخابية وشعبوية وغيرها،
وهو ما جعل عدة أحزاب تتحول من تشكيلات سياسية لتأطير المواطنين إلى مجرد شركات أسهم تجارية حسب الملف المعمق الجاد الذي انفردت به صحيفة " الخبر" الجزائرية.

لا يفرق أصحابها بين تيار وطني أو إسلامي أو علماني
''
الشكارة'' تغزو وتطرق أبواب كل الأحزاب الكبيرة والصغيرة

 
تعترف قيادات العديد من الأحزاب الكبيرة مثل الصغيرة، أنها تلقت مراسلات مباشرة أو غير مباشرة أو حتى زيارات لأشخاص يصنفون أنفسهم كرجال أعمال أو تجار أو ''ترابنديست''، يقترحون ضخ ملايين في حسابات الحزب مقابل الظفر برؤوس القوائم الانتخابية، قصـد الفـوز بمقعد في البرلمان، وهو ما جعـل الحديـث عـن ''الشكـارة'' في الانتخابـات المقبلة يطغى على كل حديث.
واعترف رئيس الجبهة الوطنية الجزائرية موسى تواتي، بأن هناك من اقترح عليه شراء مقر للحزب مقابل الترشح في قوائم حزبه في الانتخابات المقبلة، وهو مؤشر على أن ''البورصة'' ستكون مرتفعة في هذه التشريعيات. ولم تمنع الانتقادات اللاذعة لزعيمة حزب العمال باتجاه أصحاب ''الشكارة''، من تلقي حزبها لمبعوثين يتحسسون إمكانية تقديم ''خدماتهم'' نظير الولوج ضمن قوائم الحزب، وهو ما تعارضه القيادة بشدة لتعارضه مع مبادئ الحزب. من جهته، سجل محمد السعيد رئيس الحرية والعدالة ''قيد التأسيس''، وجود المال القذر ودخوله الحلبة الحزبية وقال ''أنا ضد المال السياسي ولن يدخل حزبنا الانتخابات باستعمال الشكارة''، في رسالة منه لقطع الطريق أمام هؤلاء. في المقابل، هناك من يعرض تطوعا قوائم حزبه، على من يدفع أكثر، ولا يهم الفوز، لأن الانتخابات بالنسبة للعديد من الأحزاب المجهرية محطة لجمع المال.
ولا يفرق أصحاب ''الشكارة'' في مسعاهم للدخول إلى البرلمان، بين أحزاب المعارضة أو أحزاب السلطة، لأن المهم بالنسبة إليهم هو الفوز والظفر بالحصانة البرلمانية، سواء في حزب صغير أو حزب كبير، لأن الفارق لديهم في نهاية المطاف هو المبلغ المدفوع في الصفقة فقط. ولذلك لا يقتصر ''الزحف'' من قبل أصحاب المال على أحزاب المعارضة التي تشتكي دوما من شح مواردها المالية، بل طرقت ''الشكارة'' أبواب أحزاب موجودة في السلطة منذ سنوات، على غرار أحزاب التحالف. ولم يخف خصوم بلخادم في الحركة التقويمية، أن أصحاب ''الشكارة'' استحوذوا على الأفالان، وهو ما ظلت تنفيه القيادة، غير أن انتخابات التجديد النصفي لأعضاء مجلس الأمة كانت علامة بارزة في شراء الذمم والأصوات وتحولت أصوات المنتخبين المحليين إلى بورصة حقيقية. ونفس الوضع موجود في الأرندي الذي أدخل في السابق أصحاب ''الشكارة''، من غير المناضلين، ويكون ذلك وراء المذكرة التي أرسلها أويحيى للمكاتب الولائية، حيث شدد فيها على احترام ما ينص عليه القانون الخاص بحالات التنافي مع العهدة البرلمانية، وطلب بأن المترشح مدعو إلى التعهد كتابيا بعدم الجمع بين وظيفتين، ومن كون المرشحين والمرشحات مناضلين في الحزب. لكن بين الرفض والتنديد بـ''الشكارة''، سيكشف الإعلان عن قوائم الترشيحات، أن أغلبية الأحزاب تنهى عن خلق وتأتي مثله.             

حاجز قانون حالات التنافي في مواجهة تسونامي شراء القوائم
''
بورصة'' التشريعيات تفتح أبوابها في سيناريو جديد لزواج السلطة بالمال  

 
لن يكون سباق الترشيحات نحو الانتخابات التشريعية المقبلة، مغايرا بشكل كبير عن سابقه قبل خمس سنوات، مع استيقاظ أحزاب وشخصيات تحترف ''بورصة التشريعيات'' في اتجاه الموعد الموسمي الموعود، وقد تشهد التشريعيات القادمة أزمة ''تفسخ'' أكثـر حدة من سابقتها بإغلاق الطريق أمام تنافي العهدة، ووجود عدد كبير من الأحزاب الضعيفة ماديا والمحدودة بشريا، ما يعطي بيئة مناسبة لتزاوج المال والسياسة.
وشرعت بعض الأحزاب في الولايات في طرح مزايداتها الخفية لفائدة من يريد أن يترشح للانتخابات التشريعية المقبلة، والتمكين من المراتب الأولى في القوائم، نظير مبالغ مالية باهظة، في سيناريو لم يكن ببعيد عن الأذهان، مع قصور ما سمي بقوانين الإصلاح السياسي، عن معالجة عميقة لـ''مصائب'' الممارسة السياسية في البلاد، سواء داخل منظومة الحكم أو على مستوى الأحزاب. وإن كان في تقدير الحكومة أن قانون تنافي العهدة البرلمانية الذي جرى تبنيه ضمن موجة ''الإصلاح السياسي''، من شأنه ''أخلقة'' العمل البرلماني، فإنها تناست تداعيات قد تظهر في حملـة القوائم الانتخابية، في وجود مانع قانوني أمام كثير من الإطارات التي تشغل مناصب مهمة من الترشح، لصالح فئة أخـرى تتربـص بالانتخـابات كنـوع من ''الحرفة الموسمية'' بعدما غرقت في نومـها منذ 2007، تاريخ آخر موعد انتخابـي تشريعي، واستيقظت تحسبا لجمع المال بتوظيف المال في بحث موقع ترشيح أو توظيف اسم الحزب، ضمن مزاد لمن يدفع أكثـر.
ويذكر كثيرون سيناريو انتخابات 2007 حين لم يجد بعض ممثلي الأحزاب حرجا في مطالبة من يتقدم للترشح بمبلغ معين، مقابل إدراجه ضمن القائمة، الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، وإنما تعداه إلى تصنيف المبالغ المطلوبة وفقا للمرتبة التي يحتلها طالب الترشح باسم حزب معين في القائمة الانتخابية، حسب عدد من طالبي الترشح، لذلك فإنه وحينما يشار لتحالف المال بالسياسة في الجزائر، ينظر مباشرة إلى البرلمان الحالي (2007 إلى 2012)، الذي يشكل رجال الأعمال فيه قرابة ثلث المقاعد، مقابل ما ينعت به من أنه الأضعف في تاريخ البرلمانات الجزائرية، وشرعيته مطعون فيها قياسا لنسبة المصوتين على أعضائه. لكن وجود قانون تنافي العهدة، ليس وحده ''مسهلا'' لطريق ''المال السياسي''، في وجود أحزاب ضعيفة ماديا وقليلة الزاد البشري، بل وفي إلزامية وجود نساء في القوائم وفقا لنسب حددها القانون، كل هذا سيفتح الباب لا محالة أمام ''من هب ودب'' لفرض نفسه ضمن قوائم بمنطق المال، مقابل نفور شبه مطلق للنخب من العمل الحزبي.

على النقيض

لأستاذ في كلية الاقتصاد بتلمسان محمد زين بركة 
''المكاسب والامتيازات المالية للنائب تشجع على الفساد السياسي''

لماذا دخل المالي السياسي بقوة في شراء مقاعد الترشيحات داخل الأحزاب السياسية؟
 
كثير من الأحزاب التي لا تملك مناضلين، تلجأ إلى فتح الترشح في صفوفها بمقابل مادي، وتلجأ أحزاب أخرى إلى إطلاق يدها لتوزيع أموال على الناخبين لشراء الأصوات. إذن، نحن بصدد عملية فساد مزدوج على صعيد الترشح والانتخاب. والواقع أن المكاسب والمزايا التي يتيحها شغل المناصب في البرلمان، وامتداد هذه الامتيازات المادية إلى الجانب الاجتماعي للنواب بعد فوزهم، وما يوفره المقعد من علاقات مع المسؤولين، هي التي تدفع إلى بروز الفساد والظواهر التي تسيء إلى الانتخابات. في اعتقادي هناك خلط بين مسؤوليات النائب في البرلمان، وبين اعتبار المقعد ترقية اجتماعية، كما أن ضعف أداء نواب البرلمان جعل الجميع يعتقد أنه بإمكانه أن يصبح نائبا بكل الطرق والوسائل المشروعة وغير المشروعة.
أين يكمن الخلل في الأحزاب أم في القانون؟
المحللون والمراقبون للحياة السياسية الجزائرية كلهم متفقون على أن القوانين الجزائرية كاملة لا غبار عليها، على مستوى النصوص وأنها في مستوى قوانين الدول المتقدمة نظريا، مثال قانون محاربة الفساد لعام 2006 الذي تبنته الأمم المتحدة، لكن النقص يكمن على مستوى تطبيق نصوص هذه القوانين، وهنا نشاهد تأخر الجزائر في هذا الميدان، لأن المؤسسات المكلفة بتطبيق القانون مشلولة، وهذا الشلل ترك فجوة تستغلها الكثير من الأحزاب والناشطين السياسيين، إذن هناك خلل على مستوى أجهزة الدولة من حيث الحزم في تطبيق القوانين التي تحمي من الفساد السياسي وشراء الذمم وتعاقب بشأنه، وأيضا في الأحزاب التي لا تتحمل مسؤولياتها الأخلاقية وتبادر إلى هكذا ممارسات.
برأيكم، كيف يمكن إبعاد الفساد عن حقل العمل السياسي؟
 
الحلول موجودة في نصوص القوانين، فهي قوانين عصرية ودقيقة، يتعين على بعض المؤسسات ذات الصلة بمحاربة الفساد أن تتحرك وتستنفر عندما يتعلق الأمر بالانتخابات والاستحقاقات السياسية المصيرية، وهي المفتشية العامة للمالية ومجلس المحاسبة والديوان المركزي لقمع الفساد الذي نصب حديثا، مثل هذه الهيئات يجب أن تنشط، للحد من الفساد المالي ومراقبة تمويل الحملة الانتخابية ومراقبة مصدر التمويل. أكثر من ذلك، يجب احترام القانون المتعلق بنشر التصريح بالممتلكات للمنتخبين، كما يتعين على الإعلام أن يلعب دوره في كشف حالات الفساد الانتخابي.

المحامي والناشط السياسي مقران آيت العربي
''
شراء الأصوات بالمال سيكون في مستوى محدود''

 
تتخوف بعض الأحزاب من المال السياسي أو''الشكارة'' وتأثيره على الانتخابات المقبلة. إلى أي مدى هذا التخوف مشروع؟
 
سبق إثارة مثل هذه المخاوف في انتخابات 2007، وأشارت الإدارة إلى ذلك وحتى المسؤولون في السلطة. ولكن لم يجر أي تحقيق في القضية ولم يتخذ أي إجراء قانوني بشأن المتورطين، وفي النهاية وصل بعض المترشحين بصرف النظر عن العدد، إلى البرلمان بفضل دفع مبالغ مالية كبيرة لرؤساء أحزاب. وهي ظاهرة مطروحة في تشريعيات 2012، وأستغرب أن حزبا أعلن في صحف عن ''مزايدة'' لتوظيف مترشحين، وكان على وزارة الداخلية إحالة الملف على القضاء بمجرد صدور إعلان هذا الحزب قصد حلّه، ولكنها لم تفعل، وقد يكون ذلك إشارة إلى أن الانتخابات اللاحقة ستكون جديرة بالانتخابات السابقة، خاصة أن السلطة أوقفت العمل بقانون الأحزاب وعشية الانتخابات فتحت المجال لإنشاء أحزاب لا توجد إلا في وثائق الداخلية. وقد يكون الغرض من ذلك هو توزيع المقاعد على أكبر عدد ممكن من الأحزاب، حتى لا يحصل أي حزب على عدد معتبر منها وإذا حدث سيكون لصالح الأفالان والأرندي وما يدور في فلكهما.
هل تتوقع أن يحسم المال السياسي توجهات الناخبين في الموعد المرتقب؟
 
لا أعتقد ذلك إطلاقا، المال يلعب دورا بين المترشحين وبعض الأحزاب، وهذا يعود لوجود أحزاب دون مناضلين. فالقاعدة الصحيحة هي أن المناضل يصبح منتخبا، وعندما تعكس كما هو الحال في أيامنا، يلتحق بالأحزاب منتخبون ليصبحوا مناضلين!  وهذا التجاوب بين مال بعض المترشحين ورغبة بعض رؤساء الأحزاب في الحصول عليه، يقودنا حتما إلى هذا الواقع غير السليم. أما شراء الأصوات، فحتى لو حدث فسيكون في مستوى محدود.
في كل البلدان التي تمارس فيها الديمقراطية الصحيحة، غالبا ما يحسم المال المعارك الانتخابية بين المترشحين، فلا أحد يجد ذلك عيبا ولا نقيصة في الأشخاص أو العملية الانتخابية. لماذا ينظر إلى هذا الأمر نظرة استهجان في الجزائر وفي البلدان المتخلفة؟
 
العيب ليس في المال، وإنما في مصدر المال وشفافية المصدر. بإمكان أي شخص أن يقدم مبالغ مالية للحزب الذي يختاره ويساعده بكل الوسائل القانونية للفوز في الانتخابات، وبإمكان الدولة أن تخصص مبالغ مالية حسب عدد المترشحين وعدد الأصوات والمقاعد المحصل عليها، وهذه الأموال مهما كان مصدرها شرعيا، ينبغي أن تقدم للأحزاب وليس لقادتها ولا لأعضائها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق