الثلاثاء، 13 ديسمبر 2011

تولى منصب مدير الأمن العسكري للناحية العسكرية الخامسة.. عيسى بخوش للشروق: زبيري قال لي إذا تأزم الوضع مع بومدين فسآخذ فيرمة وأسكت

الجزائر - الشروق اليومي:‬‮ ‬طاهر‭ ‬حليسي
image

حركة‭ ‬14‭ ‬ديسمبر‭.. ‬كانت‮ "‬صكة‮" ‬و‮"‬زعبطة‭ ‬زعباط‮"‬‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬الهلاك‭!!‬

الطاهر‭ ‬الزبيري‭ ‬وجماعته‭ ‬منحوا‭ ‬الفرصة‭ ‬لبومدين‮ ‬ولضباط‭ ‬فرنسا‭ ‬للتخلص‭ ‬من‭ ‬100‭ ‬إطار‭ ‬من‭ ‬ضباط‭ ‬الولاية‭ ‬الأولى

عيسى بخوش من المجاهدين الأوائل في جيش التحرير بالولاية التاريخية الأولى (الأوراس)، شغل منصب مسؤول المنطقة الأولى بالنيابة للولاية التاريخية الأولى، ثم تولى منصب مدير الأمن العسكري للناحية العسكرية الخامسة سنتي 1963 / 1964، قبل أن يشغل مهام قائد الأركان بالناحية العسكرية الخامسة رفقة الشاذلي بن جديد وعبدالله بلهوشات، تخصص في مدفعية الميدان واستفاد من دورات تدريبية وتأهيلية بالاتحاد السوفياتي ومصر والأردن، عين نائبا لمدرسة المدفعية بالتلاغمة قبل أن يصبح مديرا لها، اعتقل بعد الحركة الانقلابية الفاشلة ضد بومدين‭ ‬سنة‭ ‬1967‮ ‬وحقق‭ ‬معه‭ ‬قاصدي‭ ‬مرباح‮ ‬والغوثي‭ ‬‮"‬علي‭ ‬تونسي‮"‬‭ ‬قبل‭ ‬إيداعه‭ ‬السجن‭ ‬العسكري‭ ‬بوهران‭ ‬بعقوبة‭ ‬15‭ ‬سنة‭ ‬استنفد‭ ‬منها‭ ‬8‭ ‬سنوات‭ ‬فقط‭ ‬قبيل‭ ‬الإفراج‭ ‬عنه‭ ‬بعفو‭ ‬رئاسي‭ ‬أصدره‭ ‬الرئيس‭ ‬الراحل‭ ‬هواري‭ ‬بومدين‭. ‬

  • ‮‬جماعة‭ ‬زرداني‮ ‬وخليفة‭ ‬لعروسي‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬حرضوا‭ ‬الزبيري‭ ‬على‭ ‬بومدين‮ "‬ورقة‭ ‬الخريف‭ ‬الساقطة‮" ‬كما‭ ‬كانوا‭ ‬يقولون
    قناعتنا‭ ‬في‭ ‬الجيش‭ ‬أن‭ ‬السعيد‭ ‬عبيد‭ ‬اغتيل‭ ‬بأمر‭ ‬من‭ ‬بومدين‮ ‬وشابو‮ ‬وبتنفيذ‭ ‬زرقيني‮ ‬وهوفمان
    العقيد‭ ‬شابو‭ ‬كان‭ ‬يرسل‭ ‬جواسيس‭ ‬للزبيري‭ ‬يعطونه‭ ‬حفنة‭ ‬من‭ ‬الأخبار‮ ‬ويحصلون‭ ‬منه‭ ‬على‭ ‬قنطار‭ ‬معلومات

     
    تردد‭ ‬اسمك‭ ‬في‭ ‬أحداث‭ ‬ديسمبر‭ ‬1967‮.‬‭.‬‮ ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تروي‭ ‬لنا‭ ‬الظروف‭ ‬المحيطة‭ ‬بمحاولة‭ ‬الانقلاب‭ ‬على‭ ‬بومدين؟‭  ‬
     كانت الأوضاع طيلة شهر سبتمبر 1967 مضطربة للغاية، بسبب بوادر الصراع بين الطاهر الزبيري وشابو، وبين الطاهر الزبيري وبومدين من جهة أخرى، كنا نسمع أن المشاكل موجودة بالفعل في القمة بين هؤلاء، و قد كنت في تلك الأثناء مديرا للمدرسة العسكرية للمدفعية بالتلاغمة، وأستطيع أن أقول لك إن الجيش في جزء كبير منه وكنت ساعتها أسير زهاء 4000 جندي لم يكن مع الإطاحة بالعقيد شابو فحسب بل ببومدين نفسه وكل ضباط فرنسا. كنت اتصل بالجماعة وبكافة من هم على علاقة بهذا الصراع المحتدم المنذر بكارثة في حالة المواجهة العسكرية الميدانية، وفي شهر أكتوبر ذهبت إلى الجزائر العاصمة لتحضير العرض العسكري الخاص بالفاتح نوفمبر 1967، دخلت عند الطاهر الزبيري استطلعه عن الأجواء المضطربة، لم يفصح لي بشيء مفصل، اكتفى فقط بقوله "المشاكل موجودة" وإذا تأزمت الأوضاع مع بومدين وشابو وجماعتهما فإنني سأستلم مزرعة "الفيرمة" في لجنة التسيير المعروفة باسم "كوميتي دو جستيون" الخاصة بالمزارع النموذجية في إطار الثورة الزراعية، هذه هي الجملة التي قالها لي بلا زيادة أو نقصان، بعدها دخلت إلى مكتب عمار ملاح وحاولت أن أعرف منه التفاصيل لكنه لم يطلعني على شيء سوى عموميات من قبيل الأوضاع ليست على ما يرام، حاولت أن اعرف وأستكشف الأمور أكثر فذهبت إلى الناحية العسكرية الأولى بالبليدة عند السعيد عبيد، وكان من اقرب الأشخاص إلي، وعندما تحدثت معه عن مشاكل القمة والإشاعات المنتشرة هنا وهناك حول أزمة قيادة الأركان مع بومدين وشابو، قال لي السعيد عبيد ألم يقل لك الطاهر الزبيري، فقلت له حدثته لكنه قال لي إذا تأزم الوضع فسيأخذ فيرمة في إطار لجنة التسيير ويعتزل.. فرد السعيد عبيد بأن المشاكل خطيرة قبل أن يصارحني بقوله "يا سي عيسى بخوش إن الطاهر الزبيري يهابك ويستمع لكلامك، انصحه بأن يبتعد عن جماعة خليفة لعروسي وحسونة زرداني، هؤلاء هم الذين يتحكمون فيه ويدفعون به نحو الصراع لكن موقفي الشخصي المبدئي مع الطاهر الزبيري لن أخونه ولن أخون الجهة" هذا ما كشفه لي ثم طلب مني معاودة الاتصال بالزبيري مجددا لمعرفة الأوضاع، وأوصاني بتجنيد 1000 جندي‭ ‬قصد‭ ‬إرسالهم‭ ‬إليه،‭ ‬منهيا‭ ‬قوله‭ ‬بأنه‭ ‬لن‭ ‬يسمح‭ ‬لضباط‭ ‬فرنسا‭ ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬زمام‭ ‬البلاد‮ ‬والعباد‭.‬
     
    معروف‭ ‬أن‭ ‬الصراع‭ ‬بين‭ ‬الزبيري‮ ‬وبومدين‭ ‬خرج‭ ‬للعلن‭ ‬خلال‭ ‬العرض‭ ‬العسكري‭ ‬1‭ ‬نوفمبر‭ ‬1967،‮ ‬كيف‭ ‬كانت‭ ‬الأوضاع‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‮ ‬وما‭ ‬حدث‭ ‬بعدها؟
     لقد طلب مني نقل عدة وعتادا للمشاركة في ذالك اليوم وكان الجو ماطرا وعاصفا كأنه ينبئ بشيء في الأفق، كنت نائما في سيارتي قرب مكان العرض بشارع جيش التحرير وجاءني عياش حواسنية وهو صهر الطاهر الزبيري وأطلعني بأن الزبيري قرر مقاطعة العرض العسكري، شعرت بالغضب من هذا التصرف الطائش وتخاصمت مع ناقل الخبر لخطورة فعل الغياب أمام البعثات الدبلوماسية والعسكرية الأجنبية وافترقنا على هذه الخصومة وسط شائعات مدمرة اجتاحت جميع الضباط الحاضرين في العرض العسكري الذي تأخر عن موعده بساعات، بعد ذلك شعرت بالخوف من الصدام العسكري، فقررت بسرعة إعادة الوحدات التي كانت تحت تصرفي بعتادها عبر القطار، وقد استعملت جميع صلاحياتي العسكرية مع مسؤولي محطة النقل، وتمكنت من ترحيلها يوم 2 نوفمبر إلى التلاغمة رغم أن العودة كانت مقررة في الثالث من الشهر، وفعلت ذلك تفاديا لأي طارئ كمن يبعد برميل البارود عن عود الثقاب. بقيت متابعا لتطورات الصراع عبر رفقاء في الأركان ووزارة الدفاع ومختلف الوحدات، وقد اتصل بي كل من محمد الصالح يحياوي والسعيد عبيد وأخبراني بأن الوضع سيئ ينذر بكارثة في هرم السلطة لكنهما طلبا مني  الحفاظ على وحدات مدرسة التلاغمة وإبعادها‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الصراع‭ ‬الموشك‭ ‬على‭ ‬الانفجار‭.‬
     
    ‬يقال‭ ‬إنك‭ ‬كنت‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬المبدأ‭ ‬مع‭ ‬الانقلابيين،‭ ‬لكن‭ ‬كانت‭ ‬عندك‭ ‬تحفظات،‮ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يثير‭ ‬حفيظتك؟
     في يوم 14 ديسمبر تاريخ الواقعة، وكان يوما من أيام رمضان إن لم تخني الذاكرة، خرجت من المدرسة للعودة بغرض الإفطار في منزلي، وفي نقطة واقعة بين التلاغمة وعين مليلة اعترضت سبيلي سيارة بغمازات ضوئية فتوقفت، اقترب مني أشخاص وسلموني ظرفا مرسلا من الجماعة (الزبيري ورفاقه) وقرأت فيه أمرا عسكريا موجها لي بالزحف لاحتلال مقر الناحية العسكرية الخامسة ومقر الإذاعة وولاية قسنطينة ففهمت انه انقلاب عسكري، وقد ترك هذا الأمر في نفسي اضطرابا شديدا، فمن ناحية لم يخبرني لا الطاهر الزبيري ولا عمار ملاح بالتفاصيل منذ البداية، ولست ادري لماذا لم يطلعوني عن القضية، هل ذلك راجع لعدم ثقتهم بي أم لأسباب أخرى لست ادري.. اتصلوا بي في آخر لحظة للمشاركة معهم بطريقه فيها كثير من التسرع والمغامرة، فبحكم مهنتي العسكرية لم تتوفر شروط تنفيذ انقلاب عسكري منذ البداية، لقد بدأت القصة بالفوضى وانتهت إلى كارثة أو "الخلا" بالتعبير الدارج، وكان متوقعا له الفشل مسبقا لغياب التخطيط والتنظيم، عشت ساعات صراع نفسي مريرة بين مسألة عدم إخباري من قبل رغم إلحاحي بمعرفة ما يجري، فكرت هل اتصل لأخبر بومدين بما يجري، ولم استطع أن افعل لكي لا أخون الجهة.. من ناحية أخرى كان عندي شعور بغموض الفكرة الانقلابية، كانت القضية لدي "قضية نيف" لكن العقل مضطرب، قمت في حالة ارتباك بإعلان حالة الطوارئ في المدرسة، كونت وحدتين وسلحتهما بالصواريخ، وأرسلت ضابط الأمن وهو قريب رئيس الفرقة العسكرية المرابطة لحماية الناحية العسكرية الخامسة لجس نبض الأوضاع وتهيئة الأجواء مع قائد الفرقة لتسهيل المهام وتجنب مواجهة مدمرة، لأن الوحدات التي جهزتها هي وحدات صاروخية، بيد انه لم يستطع العودة بمعلومات حاسمة بسبب مرض قريبه، وفي الصباح جهزت الوحدتين وسرت بهما نحو طريق السمارة، لكنني توقفت وعدت‭ ‬بعد‭ ‬مسافة‭ ‬كيلومترين‭ ‬إلى‭ ‬مدرسة‭ ‬التلاغمة‭ ‬لاعتقادي‭ ‬أن‭ ‬الانقلاب‭ ‬يحمل‭ ‬في‭ ‬طياته‭ ‬عوامل‭ ‬الفشل‮ ‬وغير‭ ‬مضمون‭ ‬العواقب‭ ‬فجميع‭ ‬المؤشرات‭ ‬توحي‭ ‬انه‭ ‬مغامرة‭ ‬متهورة‭ ‬من‭ ‬البداية‭ ‬إلى‭ ‬النهاية‭.‬
     
    ‬سيرت‭ ‬وحدتين‭ ‬ثم‭ ‬تراجعت،‭ ‬لكن‭ ‬لماذا‭ ‬حكم‭ ‬عليك‭ ‬نظام‭ ‬بومدين‮ ‬بعقوبة‭ ‬15‭ ‬سنا‭ ‬نافذا؟
     في يوم 16 أكتوبر وبعد يومين من المحاولة الانقلابية الفاشلة، توجهت رأسا إلى العاصمة ودخلت إلى مكتب هواري بومدين الذي استقبلني وأذكر انه كان جالسا مع شاعر معروف من منطقة القبائل، انفردت به إلى جانب مكتبه وأخبرته أن جماعة الزبيري اتصلوا بي وأرسلوا لي أمرا باحتلال القيادة العسكرية الخامسة وولاية وإذاعة قسنطينة، طلب مني بومدين نسخة من الأمر المرسل لأنه وثيقة دامغة، وقد عاتبني بعدما أطلعته أنني مزقته مباشرة بعد قراءته. لست ادري لماذا لم أصارح بومدين بسبب مجيء إليه، فقد كنت أود إخباره بأنني جهزت وحدتين صاروخيتين وسرت بهما نحو كيلومترين قبل العودة لأتركه يعاقبني أو يحاكمني أو يعدمني، لكن لساني تعثر ولم اخبره بذلك، ولست ادري لحد اللحظة التي أحدثك فيها عن سبب إحجامي.. هل هو الخوف من العواقب أم هي قوة شخصية بومدين.. لا اعرف. انتهى اللقاء وطلب مني الالتحاق بمنصب عملي بالتلاغمة. بعد يومين أي بتاريخ 18 ديسمبر اتصلت بمحمد عطايلية المدعو الروج والمونشو وكان قائدا للناحية العسكرية نيابة عن بلهوشات الذي نقل إلى البليدة بعد حادثة السعيد عبيد، وقلت له بعدما أدركت انه كان نائما "انهض يا واحد الكلب" طبعا نحن رفاق ونداعب بعضنا بمثل هذه العبارات، لكنه قال لي" أنت مطلوب للحضور إلى الناحية العسكرية الخامسة حالا"، فالتحقت به وبمجرد ما رآني ابتسم وقال لي "درتها ورحت تكذب على بومدين" قال لي: بومدين منزعج منك لأنك كذبت عليه، لقد سيرت وحدتين خارج الثكنة صبيحة الانقلاب ولم تخبره بذلك، تمسكت بالإنكار، فكرت أن اخرج مسدسي وأطلق عليه النار وتختلط الأوضاع في البلد رأسا على عقب، أخرجت المسدس وألقيته فوق مكتبه لأنني أدركت أنني سأعتقل وأحاكم بالمحكمة العسكرية وتوقعت ذلك لأنني كنت متيقنا أن قضية تحريك وحدتين معلومة وصلت إلى بومدين والقيادة من طرف ضباط أمن الوحدة والمخبرين العاملين مع القيادة العليا، بعد التحقيقات وجلب شهود بينهم ضابط امن نقلت إلى السجن العسكري بوهران مكثت به مدة سنة أو سنتين قبل المحاكمة التي اشرف عليها عبد الغني، نطقت المحكمة بعقوبة 15 سنة نافذا، بعدها طلب مني التعليق بكلمة‭ ‬فقلت‮:‬‭ ‬لقد‭ ‬حكمت‭ ‬علي‭ ‬فرنسا‭ ‬بعقوبة‭ ‬15‭ ‬سنة‭ ‬غيابيا‭..‬‮ ‬وها‭ ‬انتم‭ ‬تطبقون‭ ‬علي‮ ‬نفس‭ ‬العقوبة‭ ‬حضوريا،‮ ‬أمضيت‭ ‬8‭ ‬سنوات‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬أستفيد‭ ‬من‭ ‬العفو‭ ‬الرئاسي‭ ‬الذي‭ ‬أصدره‭ ‬هواري‭ ‬بومدين‭.‬
     
    ‬‮ ‬سردت‭ ‬بعض‭ ‬المعلومات‭ ‬من‭ ‬زاوية‭ ‬شخصية،‮ ‬قلت‭ ‬إن‭ ‬السعيد‭ ‬عبيد‭ ‬كان‭ ‬أقرب‭ ‬الناس‭ ‬إليك،‭ ‬هل‭ ‬قتل‭ ‬أم‭ ‬انتحر‭ ‬كما‭ ‬تقول‭ ‬الرواية‭ ‬الرسمية؟
    عيسى بخوش: لا أحد صدق بأنه انتحر ما بالك بي أن الذي كانت تربطني به علاقة أخوية متينة ووثيقة، كان شخصا محبا للحياة وكان من أكفأ قيادات الجيش علما وعملا، عندما علمت بالخبر تنقلت إلى مقر الناحية العسكرية بالبليدة، وأخبرني بعض الضباط العاملين بالمصلحة العامة أن السعيد عبيد كان يتابع سير المواجهات من مقر القيادة وقد زاره كل من زرقيني وسليمان هوفمان قبل منتصف الليل وجلسا معه مدة ساعة من الزمن قبل مغادرتهما المقر، بعد ساعات عثر على جثته فوق الأريكة وبجوارها مسدسه،ا خبرني ضابط أن العقيد شابو أعطى أمرا للسعيد عبيد بصفته قائد الناحية بالتصدي العسكري للانقلابيين قرب العفرون لكنه رفض التنفيذ، اتصل به بومدين وأمره بذلك لكنه رفض، لذلك زاره كل من زرقيني وهوفمان وهما من ضباط فرنسا لحظات قبل مقتله، قناعتي الشخصية أن السعيد عبيد لم ينتحر بل قتل بأمر من بومدين وشابو ومن تنفيذ زرقيني‮ ‬وهوفمان،‮ ‬هذه‭ ‬قناعة‭ ‬كل‭ ‬إطارات‭ ‬لجيش‭ ‬آنذاك‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬النظام‭ ‬أعلن‭ ‬آنذاك‭ ‬في‭ ‬برقية‭ ‬صادرة‭ ‬من‭ ‬الرئاسة‭ ‬للإذاعة‭ ‬انه‭ ‬انتحر‭.‬
     
    ‬‮ ‬يبرر‭ ‬الزبيري‮ ‬وحتى‭ ‬عمار‭ ‬ملاح‭ ‬حركة‭ ‬14‭ ‬ديسمبر‭ ‬بأنها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إنهاء‭ ‬حكم‭ ‬الفرد‭..‬‮ ‬وأحيانا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الديمقراطية؟
    لا علاقة لهذه الأفكار بالحركة، الأمر بكل بساطة كان مجرد السيطرة على الحكم والسلطة لا أكثر ولا اقل، كان بومدين يرغب في وضع ضباط فرنسا في مناصب حساسة، ويعني ذلك على حساب هؤلاء، لذلك كانت تلك الحركة وهي لم تكن منظمة ولا جادة لقد قال لي الزبيري وأقسم بالله انه قال لي إذا تأزمت الأوضاع سآخذ فيرمة في إطار لجنة التسيير، بمعنى انه كان مستعدا للاعتزال للمكوث جانبا، لكن الزبيري كان ضحية محيط متعفن وكانت مجموعة زرداني وخليفة لعروسي وشريف مهدي يتحكمون فيه، ويطمعونه بالوصول إلى السلطة وهم رغم ذلك كانوا طامعين في الحصول على "حقهم في هذه المعمعة" بمناصب لصالحهم، هؤلاء المتحكمون فيه كانوا يغرونه بعبارات "بومدين مثل ورقة الخريف الآيلة للسقوط.. الجيش معك وضد ضباط فرنسا" وغيرها من الكلمات المحرضة والمحفزة، هم الذين قذفوا به إلى أتون معركة غير مدروسة وغير محسوبة العواقب                                                                                                                                                                ;        .ليس هناك دوافع وطنية ربما الزبيري وطني مقارنة بالآخرين، لكن الذين كانوا يحركونه مجرد انتهازيين‮"‬قماقمية‮"‬‭ ‬هدفهم‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬المناصب‮ ‬وتولي‭ ‬المسؤولية‭.‬
     
    ‬‮ ‬قلت‭ ‬قذفوا‭ ‬بي‭..‬‮ ‬ألم‭ ‬تحاول‭ ‬أنت‭ ‬نصحه‮ ‬وإنقاذه‭ ‬من‭ ‬متاعب‭ ‬الصراع‭ ‬مع‭ ‬بومدين‮ ‬والتزعبيط‭ ‬كما‭ ‬تقول؟
    عيسى بخوش: لقد تحدثت معه ونصحته بعدم المغامرة، لكنه لم يسمع ولا يسمع، أنا اعرفه منذ كان معنا في الثورة بالولاية الأولى، هو غير جاد وله شخصية من الصنف غير الرزين في القرارات، كما انه مثلما نقول بالتعبير الدارج "طالڤ وذنيه" أي انه يسمع كثيرا لما يقوله له الآخرون ويتأثر بذلك، كما انه يحب الذين "يشيتون له ويزيتون له الأوضاع" حتى لو كان قلب النار إلى الجنة، والنتيجة هي ما حصل في محاولة الانقلاب، ركب رأسه لم ينظم الأمور جيدا مثلما تقتضيه بديهيات المحاولة الانقلابية، الانقلاب ليس لعبة أو نزوة بل تخطيط محكم، بدليل انه لا هو ولا عمار ملاح اخبروني مسبقا بذلك رغم علاقتي الممتازة بهما آنذاك، لم يقولوا لي حضر نفسك لليوم الموعود، اتصلوا بي آخر لحظة لاحتلال مقر القيادة العسكرية الخامسة والولاية والإذاعة والتلفزيون وقذفوا بي في مأزق شخصي وحقيقي، كما أنني اتصلت بهم جميعا بعد تلقي الأمر ولم أجد أحدا. واحد ترد علي زوجته وتقول لي "غير موجود" والآخر يرد فرد من عائلته "ما هوش هنا خرج"..إ ذن هذا لم يكن انقلابا بل مجرد"صكة" صكها الطاهر الزبيري وهلك الحالة، هي مثل "زعبطة الزعباط" التي أدت إلى الهلاك.
     
    تتحدث‭ ‬عن‭ ‬تداعيات‭ ‬الانقلاب‭ ‬على‭ ‬شخصك‭ ‬أم‭ ‬تقصد‭ ‬أشياء‭ ‬أخرى؟
     قلت لك إن الجماعة ألقوا بي في مشكلة تحطم معها مساري العسكري، لكنني اقصد أن هؤلاء الأشخاص الذين "زعبطوا" و"صكوا الحالة" تسببوا في كارثة مست الولاية التاريخية الأولى، حيث تم سجن واستبعاد 100 إطار ضابط وزهاء 1000 جندي من الجيش، وسمح ذلك باقتلاع عروق الولاية التاريخية الأولى وتفكيكها، لم يسلم من هؤلاء الضباط والجنود احد، لقد أدينوا بعقوبات كبيرة وأقل جندي سجن  لفترة لا تقل عن 5 سنوات، ولم تستثن ماكينة الاعتقال والسجن كل من كان من باتنة وأريس، وخنشلة وتبسة، بعض المعتقلين كانت لهم تهمة شرب قهوة والجلوس مع الزبيري. أعتقد أن العقيد شابو فخخ الطاهر زبيري ومحيطه حيث كان يرسل له أشخاصا يتظاهرون له أنهم معه يعطونه معلومات صغيرة ويحصلون منه على معلومات أكبر، لقد سمموا له الطعم الذي تناوله بسذاجة وقدم لبومدين ولضباط فرنسا رقبة الولاية التاريخية التي قطعت ببرودة‭ ‬تامة،‮ ‬وحتى‭ ‬بعض‭ ‬الأشخاص‭ ‬الذين‭ ‬أرسلوا‭ ‬للطاهر‭ ‬الزبيري‭ ‬كان‭ ‬الهدف‭ ‬توريطهم‭ ‬أيضا‭ ‬بغرض‭ ‬إبعادهم‮ ‬وسجنهم‭ ‬بتهمة‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬الحركة‭ ‬الانقلابية
     
    ‬ماذا‭ ‬تقصد‭ ‬بالطعم‭ ‬المسموم‮ ‬والتفخيخ‭..‬‮ ‬وما‭ ‬هو‭ ‬تقييمك‭ ‬لتلك‭ ‬الأحداث؟
     ما أقصده أن الجماعة حشرت الزبيري في نفق ثم أغلقته عليه  من الأمام ومن الخلف، تم التخلص منه، وبالتالي التخلص من إطارات وجنود الولاية التاريخية الأولى، عبدوا له الطريق ودفعوه دفعا للتخلص من قيادات الولاية التاريخية الأولى، فقد كان بومدين وجماعة ضباط فرنسا يتحينون الفرصة لتحقيق الهدف المطلوب، فعدد ضباط الولاية التاريخية كان كبيرا، كما أنهم كانوا يمسكون بعدد معتبر من الوحدات الميدانية، لهم مناصب حساسة باعتبار أن الثورة انطلقت من الأوراس، ثم جاء الطاهر الزبيري وقدم لبومدين وضباط فرنسا الفرصة لتجفيف الجهة من القيادات وإخراجها من دائرة التأثير، النتيجة النهائية لحركة الزبيري والذين معه كانت محرقة حقيقية في حق المنطقة، هذه هي الفكرة الأساسية عندما نريد أن نقيم الأحداث التي وقعت في 14 ديسمبر 1967.


  • صور للمجاهد يسى بخوش خلال الثورة التحريرية 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق