الثلاثاء، 20 ديسمبر 2011

الجزائر ..نفقة‭ ‬الكراء‭ ‬لا‭ ‬تكفي‭ ‬المطلقات‭ ‬حتى‭ ‬لاستئجار‭ ‬بيت‭ ‬قصديري

  الجزائر - الشروق : بلقاسم‭ ‬حوام
image

مطلقات‭ ‬من‭ ‬‮"‬الفيلات‮"‬‭ ‬إلى‭ ‬التشرد‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬ودور‭ ‬العجزة‮

تطّلق المرأة الجزائرية في خريف عمرها فلا تجد مكانا يأويها رفقة أبنائها، فنفقة الإيجار التي لا تزيد عادة عن 5000 دج لا تكفيها حتى لكراء بيت قصديري على حافة الوادي لحفظ ماء وجهها، مما يضطرها إلى اللجوء مكرهة للعيش مع عائلتها، ومن لم تفلح في ذلك يكون مصيرها التشرد‭ ‬أو‭ ‬السماح‭ ‬في‭ ‬أبنائها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬العيش‭ ‬في‭ ‬دور‭ ‬العجزة،‮ ‬بعد‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬التضحية‭ ‬والعطاء‭ ‬انتهت‭ ‬برحلة‭ ‬بحث‭ ‬عن‭ ‬الكرامة‭ ‬وتضميد‭ ‬الجراح‭ ‬التي‭ ‬عمق‭ ‬من‭ ‬آلامها‭ ‬القانون‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يعترف‭ ‬بالإنسانية‮.‬

  • طالب عدد من المحامين في تصريح لـ "الشروق اليومي" بإعادة النظر في نفقة "بديل الإيجار" الموجهة للمرأة المطلقة، والتي لم تعد تراعي متطلبات سوق العقار في الجزائر، مما يتسبب في أضرار معنوية جسيمة لأزيد من 50 ألف مطلقة سنويا لا تجد حتى بيتا قصديريا يأويها، وفي هذا الإطار أكد المحامي حمديني عمار أن نفقة الكراء في الجزائر بحاجة إلى إعادة نظر، لأنها لا تتماشى مع متطلبات الزمن، فهي في القانون الجزائري غير محددة لكنها تكون حسب الوضعية الاقتصادية للزوج والزوجة، وهي تتراوح بين 3000 و10 آلاف دينار، وهي قيمة قديمة لا تتناسب مع سوق العقار، فالشقة في المدن لا تقل قيمة استئجارها عن 15000 دج، قائلا "ربما رفع منحة الكراء ستحد من ظاهرة الطلاق، عندما يجد الكثير من الأزواج أنفسهم عاجزين عن دفعها ما يجعلهم يغضون الطرف عن تفكيك العلاقة الزوجية وإعادة النظر في طريقة سلمية لحل المشاكل‭ ‬الزوجية‭ ‬والتعايش‭ ‬السلمي‮".‬
     من جهتها قالت المحامية فاطمة الزهراء بن براهم إن قيمة نفقة الكراء التي تحددها المحاكم الجزائرية لا تكفي المرأة المطلقة حتى لاستئجار بيت قصديري على حافة الوادي، وهو ما يعد انتقاصا وإهانة لكرامة المرأة التي عادة ما تكون بعد طلاقها في حالة يأس وانكسار تكون بأمس‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬مسكن‭ ‬كريم‮ ‬يأويها‭ ‬ويقيها‭ ‬من‭ ‬نظرات‭ ‬الناس‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬ترحم‭ ‬ولا‭ ‬تعذر،‭ ‬وطالبت‭ ‬المتحدثة‭ ‬بضرورة‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬قيمة‭ ‬النفقة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تتعدى‭ ‬في‭ ‬اغلب‭ ‬الأحيان‭ ‬4000‭ ‬دج‭.‬
     
    تزوير‭ ‬‮"‬كشف‭ ‬الراتب‮"‬‭ ‬لتخفيض‭ ‬نفقة‭ ‬الإيجار
    كشف المحامي أحمد دهيم أنه عالج الكثير من قضايا الطلاق التي عمد فيها الزوج إلى تزوير كشف راتبه، للتخفيض من  قيمة نفقة الإيجار التي تحدد حسب الأجر الذي يتقاضاه الزوج، "فمثلا الزوج الذي يتقاضى أجرة 40 ألف دينار وله ثلاثة أطفل تحكم المحكمة عليه بـ 3000 دج لكل طفل ومليون سنتيم لنفقة الإيجار" وهذا ما لا يخدم الزوج، مما يضطره إلى تقديم كشف راتب مزور بـ 15000 ألف دينار تكون فيه نفقة الإيجار بـ 3000 دج مع الأخذ بعين الاعتبار نفقة الأطفال 3000 دج للطفل"، وأضاف المتحدث أن الرجل مظلوم في بعض الأحيان خاصة إذا كان عاملا بسيطا لا يزيد أجره عن 20 ألف دينار، فنفقة الأطفال والإيجار تقضي على 70 بالمائة من أجره، وهذا ما جعل المحاكم تأخذ بعين الاعتبار دخل الزوج في تحديد قيمة النفقة، لكن إذا كان الرجل ميسورا فيجب على القضاء أن يوفر مسكنا كريما للمطلقة وأطفالها، خاصة أن القانون يعاقب‭ ‬بالسجن‭ ‬من‭ ‬سنة‭ ‬إلى‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات‭ ‬للرجل‭ ‬الذي‭ ‬يمتنع‭ ‬تعسفا‭ ‬عن‭ ‬دفع‭ ‬نفقة‭ ‬الأطفال‭ ‬والإيجار‭.‬
     
    مطلقات‭ ‬من‭ ‬‮"‬الفيلات‮"‬‭ ‬إلى‭ ‬التشرد‭  ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬ودور‭ ‬العجزة 
    هي قصص واقعية مأسوية احتضنتها "الشروق اليومي" لمطلقات عانين التشرد والحرمان في خريف العمر، فزهرة الشباب والعيش المريح لم يدم طويلا لتكشر الحياة عن أنيابها وتسقط الأقنعة، وأول قصة نسردها في هذا المقام قصة السيدة نصيرة من بن طلحة، 60 سنة، أم لولدين وطفلة، طلقها زوجها رسميا منذ ثلاث سنوات بمحكمة الحراش التي منحتها حق حضانة أطفالها، ورغم الطلاق فإن الزوجة واصلت العيش مع زوجها في الفيلا التي بنتها معه وتقاسمت معه الحلو والمر من اجل ذلك، لكن الزوج حكم عليها مؤخرا بالطرد مهددا باللجوء إلى التسخيرة العمومية، والغريب في الأمر أن المحكمة حكمت بمبلغ 4000 دج مقابل الإيجار، وهو ما خلف حالة يأس وحزن وخوف للسيدة نصيرة التي لا تعرف أين تذهب بعد طردها وهي في الستين من العمر، وفي حديث مطول معها أكدت أن الحل الأخير أن تلجأ إلى دور العجزة وتسلم الأطفال إلى أبيهم.
    قصة أخرى للسيدة "س. ع" من العاصمة، بعد عشرة عمر فاقت 23 سنة، تقاسمها الزوجان بحلوها ومرّها، كانت فيها الزوجة نعم السند لزوج صار مقعدا بعد تعرضه لاعتداء إرهابي بطلقات رصاص، حملت الزوجة عبارة "المطلقة" التي ترفض أي امرأة حملها في مجتمع لا يرحم، وزيادة عن زواج طليقها بعد 4 أشهر فقط من انفصالهما وجلبه لزوجته الثانية لمشاركتها سكناها، تؤكد محدثتنا بشأن هذه الأخيرة أنها كانت السبب في نشوب جملة المشاكل، ولم يرتح لها بال إلى أن قام طليقها برفع دعوى قضائية أخرى، طالبها من خلالها بمغادرة الفيلا، فقضت العدالة بطرد السيدة منها بعد الدعوى الكيدية التي لفقها لها بشأن تحطيمها لجدار في الفيلا، حسب ما جاء على لسان محدثتنا، مقابل إلزامه بدفع مبلغ الإيجار المقدر بـ 8000 دج، هو مبلغ لم يكن من السهل أبدا على المدعى عليها أن توفر به سكنا بسيطا يقيها وأبناءها من حرّ الصيف وبرودة الشتاء في وقت التهبت فيه أسعار الكراء، بعد المصير المجهول الذي واجهوه وكانوا مهددين بالضياع في الشارع، إلى أن تمكنت السيدة من جمع مبلغ مالي قدره 21 مليون سنتيم، من أجل دفعه مسبقا لصاحب شقة أجّرها لها لمدة سنة، لكن الطليق رفض رفضا مطلقا أن يدفعه، مثلما أبى أن يدفع ما ألزمه به القانون شهريا إلى حين كتابتنا لهذه الأسطر، رغم التدخلات العديدة للمحضر القضائي، ما يجعل هذا النوع من القضايا يعود مرة أخرى لأروقة القضاء، ويدخل المتقاضين في دوامة مشاكل ليس من السهل أبدا الخروج منها..  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق