يمكن وصف عهدة نواب المجلس الشعبي الوطني الأخيرة بالأسوء في تاريخ التعددية الحزبية في الجزائر، حيث أجمع جل رؤساء الكتل البرلمانية بالمجلس الشعبي الوطني على أن العهدة النيابية التي ستنتهي عقب اختتام الدورة الربيعية المقبلة اتسمت بكثرة غيابات النواب عن الجلسات العامة سواء خلال مناقشة مشاريع القوانين أو المتعلقة بالتصويت.
ويمكن القول أنه ومنذ أول نقاش ساخن، احتضنه المجلس الشعبي حول الوضع الأمني سنة 97، لم يسجل من يومها أي حضور للبرلمان في النقاش الدائر في الساحة الوطنية، وظل المجلس الشعبي الوطني خارج مجال التغطية رغم أن الكثير من الملفات الهامة لم تجد من ينقلها من الشارع إلى داخل مؤسسات الدولة. ولم يدر البرلمان ظهره فحسب لأهم قضايا المجتمع، بل اختار وضعية المتفرج، وهو يشاهد ما جرى من فضائح في سوناطراك والطريق السيار وحاليا ملف السكنات الذي أشعل شوارع مختلف المدن والولايات يحدث هذا رغم أن البرلمان يعرف بطالة في أغلب فتراته التشريعية كونه لا يقترح مشاريع قوانين جديدة، مثل بقية برلمانات العالم، ويكتفي دوما بما تعرضه عليه الحكومة من مقترحات على حد ما ورد في صحيفة " آخر ساعة" الجزائرية.
نواب اتسموا بكثرة الغيابات وندرة الرقابة
وفي هذا الإطار، عبر رئيس كتلة التجمع الوطني الديمقراطي السيد ميلود شرفي في تصريح لواج عن تأسفه للغيابات الملحوظة لأعضاء الغرفة البرلمانية السفلى خلال هذه العهدة التشريعية لاسيما مع قرب انتهائها مما أدى ببعضهم إلى عدم الالتزام بالجدية والصرامة في مراقبة مشاريع القوانين التي تعرض على الجلسات العامة. كما أن نواب العهدة الحالية عاشوا تضارب آراء أحزاب المعارضة الممثلة في البرلمان مع نظرائها من التحالف الرئاسي بشأن ما تصفه حالة شلل، تحكم الأداء التشريعي للبرلمان التعددي منذ أولى عهداته سنة 97 و اختزال الأداء الرقابي في جلسات الأسئلة الشفوية وسبق وان كشف ساعد عروس رئيس مجموعة الجبهة الوطنية الجزائرية في الغرفة السفلى، أن التحالف الرئاسي صادر أهم الصلاحيات التشريعية والرقابية للبرلمان وقال أن البرلمان لا يكاد يترك أية لمسات واضحة ومؤثرة في صلب النصوص التشريعية التي تقدمها الحكومة ولا يبادر تماما من جهته بنص تشريعي. ولم يدر البرلمان ظهره فحسب لأهم قضايا المجتمع، بل اختار وضعية المتفرج، وهو يشاهد ما جرى من فضائح في سوناطراك والطريق السيار وحاليا ملف السكنات الذي أشعل شوارع مختلف المدن والولايات يحدث هذا رغم أن البرلمان يعرف بطالة في أغلب فتراته التشريعية كونه لا يقترح مشاريع قوانين جديدة، مثل بقية برلمانات العالم، ويكتفي دوما بما تعرضه عليه الحكومة من مقترحات.
أين لجان التحقيق البرلمانية ؟
وباستثناء الجلسات التي يعقدها نواب المجلس الشعبي الوطني التي تثير استفزاز المواطنين عند بثها على شاشة التلفزيون، وعدد قليل من الأسئلة الشفوية المؤسسة على تحقيقات الصحف، يجد ممثلو الشعب نفسهم خارج دائرة الأحداث، وبعيدا عن مرمى التأثير في الواقع السياسي والاقتصادي للبلاد.، ويمكن التطرق في هذا الشأن عن ما يعرف بتحقيق أحداث الزيت والسكر والتقرير الذي صدر عن هذه الهيئة التشريعية، شهور بعد اخماد نيران غضب الشارع بداية السنة 2011، والتي رغم ذلك لم تفرز أية نتائج على أرض الواقع وما زال لم يظهر من تسبب في ارتفاع اسعار المواد الغذائية الأساسية الى حد اليوم. حيث كانت لجان التحقيق البرلمانية إحدى أبرز العلامات المميزة للبرلمان الذي شهدته الجزائر في العهدة التشريعية بين 1997 إلى 2002، لكن هذه اللجان كآلية للرقابة البرلمانية، اختفت من قاموس البرلمان في العهدة التشريعية الحالية التي تدخل مرحلتها الأخيرة، ولم تحرك الاحتجاجات الدامية التي شهدتها ولايات عنابة وجيجل وسكيكدة وسطيف والعاصمة وانتفاضات الأحياء الشعبية وسكان البيوت الجاهزة بالشلف وبريان غرداية وديار الشمس بالعاصمة نواب البرلمان لتشكيل لجان تحقيق تستطلع الوضع عن قرب وتعطي للبرلمان فرصة الاضطلاع بصلاحياته الدستورية.
برلمان لا يشرع وينتظر مبادرات الحكومة والأوامر الرئاسية
سئل ذات مرة عبد العزيز زياري، رئيس المجلس الشعبي الوطني، عن دور البرلمان في التشريع القانوني، وأجاب: ''البرلمان ليس مصنعا لإنتاج القوانين، وإنما يشرع متى كانت الحاجة''. لكن في حقيقة الأمر فان التشريع مهمة متواصلة وهو الذي يضفي الحركية على العمل السياسي بشكل عام، وهو بذلك يستسلم لسلطة الجهاز التنفيذي الذي أصبح لا يبالي بالبرلمان ولا بالنواب الذين اختارهم الشعب لتمثيله، حيث ضاقت مهام النواب في المصادقة على اقتراحات الحكومة التي تعرض مشاريع قوانين جاهزة لا يعمل المجلس الشعبي الوطني سوى على مناقشتها والتصويت عليها. وبذلك نجد أن الفترة التشريعية السادسة تعتبر قياسية من حيث الركود في أداء مهامه التشريعية منذ تاريخ إنشائه في 1977، بل لم يحدث حتى في زمن الحزب الواحد ، رغم أن الفترات السابقة مرت بظروف سياسية عصيبة، ورغم ذلك كان أداؤه أفضل بكثير من أداء البرلمان الحالي. وسن رئيس الجهورية رقما قياسيا في عدد القوانين حيث استعمل سلطته في التشريع عن طريق الأوامر، منذ وصوله إلى الحكم في فترتي راحة البرلمان بين كل دورتين ليمارس هذه السلطة، إذ بلغ عدد الأمريات 73 من مارس 2000 إلى أوت ,2010 فيما بلغت مشاريع القوانين التي تقدمت بها الحكومات المتعاقبة للبرلمان في نفس الفترة 132 قانونا. واستخدم الرئيس بشكل مكثف المادة 124 من الدستور التي تمنحه سلطة التشريع بأوامر، إلى درجة تركت الانطباع بأنه أصبح يغطي على عجز المجلس الشعبي، حيث تنص المادة على أن التشريع بأوامر يكون في حالة شغور البرلمان أو بين دورتي البرلمان، إذ يعرض الرئيس النصوص التي أعدّها على كل غرفة من البرلمان في أول دورة له للموافقة عليها. وتعد لاغية الأوامر التي لا يوافق عليها البرلمان، حسب نفس المادة التي تفيد بأن الأوامر تتخذ في مجلس الوزراء.
وفي خلاصة القول يتفق أغلب المراقبين على أن مقارنة بسيطة بين أغلب المجالس الشعبية الوطنية التي عرفتها الجزائر منذ عام ,1963 تجعل برلمان العهدة الحالية (2007 ـ2012) ، أسوأ برلمان في تاريخ الجزائر، والأضعف في مواجهة الحكومة، والأقل تأثيرا على قراراتها، وبالمقابل الأكثر استهلاكا لقراراتها وقوانينها دون مناقشة أو تعديل، في الوقت الذي تحاول فيه مختلف الأحزاب حاليا وفي ظل التعديلات الجديدة، تعيين مترشحيها للانتخابات التشريعية المقبلة التي يضع فيها الشعب كل آماله لبناء جزائر جديدة متطورة وأكثر انفتاحا وديمقراطية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق