الجمعة، 17 فيفري 2012

ستمائة عائلة في بيوت لا تصلح للبشر ببرج الكيفان

لا تكاد تصدق ما تراه عيناك، 567 عائلة تعيش في بيوت لا تصلح حتى مأوى للحيوانات، فاضت عليهم مياه الأمطار، واختلطت بالخز، وغمرت أثاثهم، وفراشهم ومحافظ أولادهم، ووصل علو المياه الراكدة داخل البيوت إلى أكثر من متر، تنبعث منها رائحة القز، واضطرت العائلات التي لديها رضع إلى وضعهم داخل صناديق وتعلقيهم بواسطة حبل وسط الغرفة كي لا تصل إليهم المياه والرطوبة، بينما يلبس جميع السكان رجالا ونساء وأطفالا أحذية بلاستيكية تصل إلى الركبة داخل بيوتهم وخارجها للتنقل والعبور في الأوحال والمياه القذرة الراكدة داخل بيوتهم.. والعزاء الوحيد لهم هو العلاقة المتلاحمة بين جميع أسر الحي، حيث يقف الجميع مع بعضهم البعض عند الحاجة.

"الشروق اليومي" تجولت وسط المستنقع الكبير الذي تسبح فيه هذه البيوت وسط أكوام القمامة التي طفت على السطح، وتحدثت إلى بعض السكان، بينما رفض آخرون ظهور صورهم في الصحافة خجلا من الأوضاع التي يعيشونها، في سكنات متهالكة لا تقيهم من البرد ولا تحميهم من الأمطار و الثلوج،   ولا   توفر لهم حتى حياة الخصوصية ولا أدنى شروط الكرامة، حيث أن كل ما يتحدث به السكان داخل سكناتهم يسمع من الخارج حتى ولو كان همسا فيما بينهم، كون جدرانها مشقوقة وأسقفها من القصدير حسب صحيفة " الشروق".

أحذية بلاستيكية لفريق الشروق لدخول المستنقع
لم نستطع التنقل بين البيوت بأحذيتنا العادية، فالمياه الراكدة غطت كل شيء وبلغ ارتفاعها أكثر من 50 سنتيمترا، السيارة علقت في الأوحال، مما اضطرنا إلى الاستنجاد بالسكان الذين زودونا بأحذية بلاستيكة تصل للركبة، تمكنا من خلالها من دخول البيوت والتنقل من بيت لآخر، وهي بيوت لا تحمل أي صفة من صفات المسكن.
يقول عمي فريد "كراريس التلاميذ وكتبهم كلها تبللت، والأثاث انتفخ بعد أن تشبع بالمياه، السقف القصديري يقطر بالمياه، الجدران المصنوعة من الصفيح، تفيض منها الأوحال والمياه القذرة تتسرب من الباب، لا أحد يمكنه الدخول أو الخروج من البيت بدون حذاء بلاستيكي طويل.
كما قام السكان بوضع أحجار كبيرة وسط المياه الراكدة عند مداخل البيوت ليتمكن السكان من القفز عليها للعبور إلى بيوتهم، وحتى داخل المطبخ وداخل المرحاض تم وضع صخور يقفزون عليها للتنقل من مكان إلى مكان، فالمياه غمرت كل شيء.
حالة أقل ما يقال عليها أنها كارثية وجدنا فيها567 عائلة تتشكل من أكثر من 3000 فرد في بيوت من القصدير وصل علو المياه والأوحال فيها إلى أكثر من متر، ولم تعدها لا بالدلاء ولا المناشف تفي بالغرض لإزالتها.

قطع الكهرباء بسبب وصول الماء إلى الأسلاك
واضطر السكان لقطع التيار الكهرباء في الحي بكامله بسبب المياه التي غمرت مقابس الكهرباء، حيث أصبحت البيوت مفخخة بالكهرباء حتى أن بعض الجدران لا يستطيع السكان لمسها لأنها مكهربة، وأكد لنا عمي فريد أن مواطنا عمره 54 سنة توفي منذ 20 يوما في الحي بسبب صعقة كهربائية، وليس المرة الأولى فقد توفي اثنان في ونفس الحي منذ أشهر بسبب الصعقات الكهرباء جراء تسرب مكياه الأمطار لمقابس الكهرباء وتكهرب الجدران.
كما أكد لنا رشيد 34 سنة، أنه لم يذق طعم النوم منذ15 يوما، وأن السكان انهاروا ولم يعودوا قادرين على التحمل أكثر، وبدؤوا يسقطون الواحد بعد الآخر، منذ ثلاثة أيام تم نقل ثلاث نساء إلى المستشفى بعد أن سقطن مغمى عليهن، بسبب الرطوبة والتعب وعدم النوم ليلا منذ عدة أيام، حيث أنهم يقضون الليل بأكمله في إخراج المياه من الغرف، وأحيانا تغلبهم المياه المتسربة، فيضطرون للفرار من البيت في الليل والعودة إليه بعد توقف المطر لإخراج ما تسرب إليه من أوحال ممزوجة بمياه القز.

رجال الحماية المدنية في الحي لتفريغه من المياه
وجدنا رجال الحماية المدنية منتشرين عبر مختلف أزقة الحي القصديري، يقومون بإفراغ المياه من البيوت وضخ المياه من أزقة الحي، وقال لنا السكان أنهم على هذا الحال منذ 15يوما لكن المياه لا تنتهي فقد تشبع الحي إلى درجة أن كل البيوت أصبحت تسبح في الماء ولا يمح لأي مواطن أن يدخل أو يخرج من بيته دون حذائي بلاستيكي يصل إلى الركبة مع القفز فوق الحجار وإلا فإن مصيره سيكون الغرق في الأوحال.
أطفال الحي لم يذهبوا للمدرسة منذ 15 يوما، حيث لا يمكنهم الخروج من مساكنهم، السكان كلهم محاصرون بالمياه ولا يمكنهم حتى الخروج لشراء احتياجاتهم من خبز وحليب وخضار، وامتدت المياه الراكدة المختلطة بمياه الصرف الصحي على طول الطريق الرئيسي للشارع وحاصرت سكان الفيلات المجاورة الذين أصبحوا لا يستيعون الخروج من منازلهم أو العبور بسياراتهم، ولجؤوا بدورهم إلى وضع حجارة وسط المياه والقفز عليها للوصول إلى المحلات.
وتقول "فاطمة. ب" وهي أم لأربعة أطفال "أبنائي الأربعة كلهم أصيبوا بالربو والحساسية، والأدوية لم تعد تفيدهم، وصحتهم تتدهور يوما بعد يوم، لا يمكنكم أن تتصورا درجة البرد في الليل فمهما نشعل المدافئ والأفران البيت لا يصبح دافئا وكأننا نيام خارج البيت".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق