يعود المخرج أحمد راشدي في هذا الحوار للشروق، ليتحدث عن مشروعه السينمائي المعلّق حتى الآن "كريم بلقاسم"، متسائلا مع الجميع عن الأطراف التي تعرقل خروجه للنور، ومعتبرا أن تولي مخرج أمريكي إنجاز فيلم عن الأمير، يعد إهانة للجزائريين، كما لا يتوانى صاحب "الأفيون والعصا" عن انتقاد كتابة التاريخ على طريقة الطاهر الزبيري، وياسمينة خضرا، مبينا أن مسألة لجوء المخرجين للتمويل الأجنبي لم تعد عيبا، وإن كان يرفضها في أفلامه من حيث المبدأ .
لم نعرف رأيك بخصوص مذكرات المجاهد الطاهر الزبيري، خصوصا أنك أخرجت فيلما عن بن بولعيد الذي
رافقه في السجن؟أحمد راشدي: قبل كتابة فيلم مصطفى بن بولعيد، توجهنا لعدد كبير من المجاهدين بغرض تسجيل وقائع كانوا شهودا عليها، أو فاعلين فيها، وبخصوص مشاهد السجن تحديدا، فإن من ظل حيا حتى وقتنا الحالي، ورافق بن بولعيد وراء القضبان، هما مجاهدان فقط، أحدهما الطاهر الزبيري، لكنني أعتقد أن هذا الأخير، كتب مذكراته وأرخ للثورة انطلاقا من موقعه في السلطة ومنصبه كسيناتور سابق في مجلس الأمة( !)..علما أن هذه المشكلة واجهتني أيضا في كل مشروع أردت إنجازه، حيث لم أجد سوى كتاب أو اثنين عن العربي بن مهيدي، ومثلهما أيضا عن كريم بلقاسم والعقيد لطفي، في حين أن الكتاب الوحيد الذي تم إنجازه عن نضال عبان رمضان مثلا، كتبه ابن شقيقته، انطلاقا من وجهة نظره ودفاعا عنه، وهنا، نصطدم بأن الجميع يبحثون عن البطولة ويمجّدون الذات، على حساب التاريخ، ما يجعل من وصف أحد الكتاب الفرنسيين عن الشعب الجزائري صحيحا للغاية، حين يقول، إن الجزائريين، شعب أتعب التاريخ !!
ماذا عن مشروعك المرتقب "كريم بلقاسم"؟
في الجزائر لا نعرف حقا من يعرقل هذا المشروع، تماما مثلما لا نعرف من ينتج؟ من يراقب؟ من يمنع؟..في مشروعي عن كريم بلقاسم، أرصد الشخصية باعتباره فاعلا في مؤتمر الصومام، ووزيرا لمرتين في الحكومة المؤقتة ثم قائدا لمفاوضات ايفيان...والفيلم حسبما كتبناه ينتهي عند خروج كريم بلقاسم من قاعة المفاوضات، حيث كان ينتظره أزيد من 200 صحفي، وعندما رآهم وضع يده في جيبه، وقال لهم بلغة فرنسية: "المهمة انتهت"..
وهل تتعرض لقضية اغتياله؟
حادثة اغتياله تحتاج فيلما آخر، لأنني أولا، لا أملك معلومات عن هوية قاتله ولا طريقة اغتياله، والأسباب التي تقف وراء الاغتيال..لكن أكثر ما يهمني في إنجاز كريم بلقاسم، هو استكمال مشروعي السينمائي الذي بدأته مع مصطفى بن بولعيد وينتهي بقتل هذا الأخير في 1956، فهنالك العديد من الأحداث والمراحل المهمة في الثورة الجزائرية التي يمكن الحديث عنها بذكر مسيرة كريم بلقاسم، وصولا حتى مرحلة الاستقلال.
هل توجد أطراف تعيق مشروعك السينمائي؟
هناك أطراف تراقب، وأقصد بها لجان القراءة على مستوى وزارتي الثقافة والمجاهدين وأيضا التلفزيون الجزائري، وهي يمكنها أن ترفض أو تقبل، وفي كثير من الأوقات تطلب من الكاتب أو مخرج العمل تصحيح ما لا يرونه صحيحا، وهنا يبقى المبدع حرا في قراره..
مثلا في فيلم بن بولعيد، هناك من ذكر بأن لجان الرقابة وحتى الرئيس بوتفليقة، طالبكم بزيادة بعض الأحداث أو تعديلها؟
أبدا، وقد فوجئت بما كتبته الصحف، فلا أحد طلب مني تعديلا أو تصحيحا في فيلم بن بولعيد..بل على العكس، تحدثت مع الرئيس بوتفليقة، وأخبرني بعد العرض أنه تأثر كثيرا بنهاية الفيلم..
لكن يقال بأن الرئيس بوتفليقة شعر بالملل من مشاهد السجن الطويلة؟
غير صحيح، بل قال إنه تفاجأ من جودة الفيلم، واحترافية ممثليه.
يوجد اتجاه جديد في السينما، يعتمد على ما يكتبه بعض الروائيين، على غرار ياسمينة خضرا، رغم نقدك لهؤلاء بأنهم يغازلون الجوائز الفرنسية مثل الغونكور أكثر مما يخاطبون القارئ...
(مقاطعا) ليسوا جميعا يغازلون فرنسا وجوائزها، ولكن ياسمينة خضرا واحد من هؤلاء..
إذا، لا يمكن أن نشاهد فيلما يخرجه أحمد راشدي، ويقوم على نص لياسمينة خضرا؟
ممكن جدا، روايته (بماذا تحلم الذئاب) جيدة، ويؤرخ فيها لمرحلة هامة، لكن ما عدا ذلك، فجميع ما كتب فيه كثير من الذي لا أحبه..
المنتج بشير درايس يحب كثيرا ياسمينة خضرا ويعتمد على رواياته..؟
إنه حر..
على ذكر المخرجين الآخرين، هل شاهدت فيلم "نورمال" لمرزاق علواش؟
لم أشاهده، لكنني أعتقد أن من حقه الطبيعي مناقشة مواضيع أخرى تهم الجزائريين، فليس بالضرورة أن ينصب اهتمام جميع المخرجين الجزائريين على أفلام الثورة.
وما تعليقك على النقد الشديد الذي تعرض له، بسبب مغازلته الثورات العربية بفكر فرنسي ومال قطري؟
العام الماضي، كنت رئيسا للجنة تحكيم مهرجان دبي السينمائي، ولاحظت أن جميع الأفلام العربية العشرة التي تقدمت للمنافسة الرسمية، أنتجتها دول أخرى مثل إسبانيا، أمريكا، ألمانيا، فرنسا، ايطاليا... ما عدا الفيلم الجزائري تم إنتاجه بأموال وطنية، وبالتالي فمسألة التمويل لم تعد عيبا في السينما العربية طالما أن الجميع يتجه إليها.
هل يمكن أن نرى فيلما لراشدي بتمويل فرنسي؟
ممكن جدا، لكنني أعتقد بأنني لن أقع في هذا الفخ بسهولة..
ماذا عن جهودك الخاصة للحصول على أرشيف فرنسي؟
الأرشيف الأكثر أهمية يتواجد في مصلحة السينما بالجيش الفرنسي، وهو محظور وسري للغاية، لا يمكن الحصول عليه سوى بعد مرور 200 سنة، ويتعلق بالأشخاص تحديدا، لكن الأرشيف العادي موجود وبدأت عملية الإفراج عنه لكن من وجهة نظر فرنسية بحتة أو من طرف جهات توجّه وتراقب نوعية هذا الأرشيف، مما يجعل صعبا الاستعانة به سينمائيا..
لماذا عارضت فكرة إخراج فيلم الأمير من مخرج عالمي، وأمريكي تحديدا؟
طالبت السلطات المختصة، بمنحي نصف الإمكانيات التي يطلبها أي مخرج أمريكي، وسأنجز فيلما رائعا عن الأمير، ولو عجزت عن ذلك، فليعلقوا لي المشانق(..) .. كما أنني عرضت في كل مرة، وعلى أكثر من رئيس، فكرة إخراجي لفيلم الأمير، لكن المشكل دوما، كان يتعلق بالسؤال المحير: أيّ أميرٍ نريده على الشاشة؟..الغريب أن السيناريو الذي تمت الموافقة عليه من طرف الوزارة يتألف من أزيد من ألف صفحة، ويتضمن 132 قصيدة للأمير، ولو خصصنا لكل واحدة بعض الوقت سيمتد الفيلم لساعات..وهو أمر شبه مستحيل، لكن الاستعانة بمخرج أمريكي للعمل، يعد إهانة، فلا يوجد فرق بيني وبينه، ما عدا أنه يخرج فيلما بـ200 مليون دولار، في حين أنني أقوم بذلك مقابل مليون دولار فقط؟!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق