قال مقداد سيفي، رئيس الحكومة الأسبق إن الجزائر ''اليوم تسيّر بشكل سيء من طرف أشخاص استولوا بطريقة غير شرعية على السلطة باستعمال القوة وإشاعة الفساد من أجل البقاء في الحكم، لا هدف لهم سوى تسيير مصالحهم''، معرّجا على أجزاء من مسيرته على رأس الجهاز التنفيذي وكاشفا أن الحكومة في عهده لم تطلع على فحوى المفاوضات مع ''الأفامي''، ولا المفاوضات مع الإسلاميين في السجون خلال عهده، مدافعا عن شرعية انتخابات 95 من حيث قوة المشاركة، ومؤكدا أن فوز الراحل محفوظ نحناح بها، ''مجرد إشاعة".
نزل مقداد سيفي ضيفا على فضاء ''الجزائر نيوز''، أمس، في إطار ندوة حول ''تقييم عام لخمسينية الاستقلال وحصيلتها''، وأوضح أنه دُعي إلى الندوة ''دون أن أطلبها أو أستغل الظرف كما يبدو للبعض في تحليلاتهم، بل فقط دعيت فاستجبت، وأنا على استعداد للاستجابة لأية دعوة تصلني في إطار النقاش''· حسب ما نقلته " الجزائر نيوز".
الحصيلة···
استهل الرئيس كلامه عن الخمسينية بحكم مباشر وصارم ''الحصيلة عموما سلبية ولم نحقق أهداف بيان نوفمبر 54 والمتمثلة في بناء دولة العدالة، الحريات والتسامح''، موضحا أن ''اللاكفاءة والفساد والشعبوية تنخر البلاد ونخبنا مهمشة ومقصية من النقاش الوطني وأحسن كوادرنا العلمية مبعدة وأولادنا سيئو التكوين في مدرسة منحرفة تخرّج شبابا بطالا معرضا لكل المخاطر''، مركزا على مخاطر ''الانحراف، العدمية والتطرف الديني''· وقال أيضا ''إننا لا نملك اقتصادا ولا استراتيجية اقتصادية ولا هياكل قاعدية لائقة''·
وعرّج سيفي على الثورات العربية قائلا ''في وقت الشعوب العربية تقوم بإسقاط الديكتاتوريات الواحدة تلوى الأخرى، يتساءل شبابنا عن أسباب ضعف التشغيل والإسكان وانعدام هياكل قاعدية حقيقية وقنوات تلفزيونية''، قبل أن يردف قائلا ''إنهم يعرفون الجواب أو بالأحرى الجواب العام·· هذا البلد يسيّر بشكل سيء من طرف أشخاص استولوا على السلطة بطريقة غير شرعية ويستعملون القوة ويشيعون الفساد للبقاء فيها، لا هدف لهم سوى تسيير مصالحهم''·
وأضاف حول تاريخ الصراع الدموي في الجزائر ''إنهم يعلمون أيضا أن الجزائر دفعت الثمن أكثر من مرة من أجل الاحتجاج عنفا على هذا النظام الميكيافيلي''· ويوضح سيفي في مداخلته أنه منذ أحداث أكتوبر ووصولا عند أحداث 2011 مرورا بالعشرية الحمراء ''هذه السلطة استعملت كل الوسائل لقمع الاحتجاج الشعبي ضد الديكتاتورية التي تسجن البلد ومستقبله''·
حلول سيفي·· دعوة لانقلاب شعبي سلمي
وعن الحل يعتقد سيفي أن الهدف الذي ينبغي أن يكون الأولوية ''تسريع عملية إعادة السلطة للشعب بالوسائل السلمية''، موضحا أن النظام سيخضع لا محالة لحكم التاريخ وهو في طريقه إلى الزوال الحتمي''، مقترحا على السلطة ''العودة للشباب لبناء الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية''·
ويعتبر سيفي بالمقابل أنه لا جدوى من مبدأ ''زوال الأشخاص وبقاء النظام''، متسائلا هنا عما إذا كانت هناك إمكانية لمعرفة ''من المسؤول على ماذا؟''· ومن بين ما يرفضه سيفي أن ينسب الإخفاق للماضي ''فتارة يقول الباءات الثلاثة هم الذين احتكروا السلطة الثورية وتارة جماعة وجدة وتارة بومدين وتارة الشاذلي وهكذا دواليك''·
ويقول سيفي إن في مقدوره تقييم الفترة التي تبدأ من 1999 ''كون الفترة ما قبلها تملي علينا امتلاك إمكانيات وآليات هي اليوم مفقودة''، ليعود بالقاعة إلى برنامجه في رئاسيات 99 ''الذي لازلت أؤمن به إلى اليوم''· وقال إن قدوم بوتفليقة إلى الجزائر هي ''نتاج تسيير كارثي لفترة 96 /99 بعد الحملة ضد الرئيس زروال''، معتقدا أن تقييم حكم الأشخاص الذين وصلوا إلى الحكم بعد 88 إلى اليوم هو الأولى وليس خمسينية كاملة''· وحصر ضيف الجريدة أن مطالب الشعب كانت تتمثل في ''حاكم فحل'' وقال إن الراحل بوضياف كان يستجيب لهذا الشرط ''أما زروال فقد نجح في إبقاء الجزائر واقفة، وبكل تأكيد دفع إلى الاستقالة بسبب اختبارات كبرى دون أن نعرف الخلفيات''، ليعلن صراحة ''بوتفليقة لم يف بوعده في تحقيق العزة والكرامة للجزائريين''·
كما دعا إلى تغيير جزائري ـ جزائري ''إذ ليس لنا ما نأمله من الغرب والمطلوب حركة وطنية من أجل إعادة بناء أمة جزائرية ديمقراطية ذات سيادة''، لكنه اعترف بصعوبة المهمة ''أمام سلطة تمنع هذا المسار''، منتقدا المشاورات التي قادها عبد القادر بن صالح وتوزيع الريع وتنازلات اقتصادية واستراتيجية في ظل منع الجزائريين من الطلبات السلمية، كاشفا أنه راسل بن صالح محذرا السلطة من خلاله من انفجار وشيك وعدم اللعب بالنار من طرف النظام·
نحناح، زروال، الأفامي والإسلاميين·· أسرار سيفي
خلال فتح النقاش، قفزت عدة ملفات كانت مقبورة، منها الانتخابات الرئاسية التي أشرف عليها مقداد سيفي ودافع عن قوة المشاركة الشعبية فيها، لكنه لم ينف إمكانية حدوث تزوير، إذ قال ''بالنسبة لنا في السلطة لم تكن نية التزوير واعطيت مع زروال تعليمات صارمة من أجل الشفافية، أما إذا كان أحدهم قد خالف الأوامر في مكان ما فهذا جائز''، معتبرا أن فوز نحناح بانتخابات 95 أمام زروال ''مجرد إشاعة''·
كما بدا سيفي مدافعا في العديد من المناسبات عن فترة حكم زروال، وقال إنه ليس على اتصال به اليوم ليعود به النقاش إلى ظروف رحيله عن الحكم قائلا ''بالفعل دفع للاستقالة لكن ليست لدي معلومات عن تفاصيل ذلك لأنني رحلت قبله بثلاث سنوات''·
وعما إذا كان جزءا من الفشل العام للنظام قال ''سأعطي صورا عليكم أن تقارنوها بالوضع الحالي''، ثم أضاف ''لقد تمكنا ما بين 94 و 95 من بناء 184 ألف سكن بأموال محدودة في قلب أزمة أمنية دون صينيين ولا فساد، ولقد أبقينا الجزائر واقفة بالرغم من المشاكل الاقتصادية والأمنية وأخرجنا الشعب في مشاركة تاريخية في الانتخابات''، وهو ما تعجز عنه الدولة اليوم رغم الإمكانيات ''لقد مررنا بأحلك الأيام'' يقول سيفي، لم يكن يجرؤ مسؤول واحد أن يظهر على التلفزيون، بينما كنا السباقين لخلق 70 ألف حرس بلدي، استرجعنا بها 500 بلدية كانت خارجة عن سيطرة الدولة، قبل أن يتساءل ''أليس هذا نجاحا مقارنة بظروف ذلك الزمان؟''· معترفا أنه كان ضد المسيرات السلمية ''وقتها بحكم القانون'' وأنه لم تغلق في عهده أية مؤسسات أو مصانع· وفي هذا السياق عرّج نحو عدم علمه بمفاوضات دارت بين النظام والأفامي وبين النظام والإسلاميين في السجون إذا علمنا أن ''في الموقع الأول لم يكن لدينا متسع من الوقت ليحضر الوزراء أنفسهم لما بعد اتفاقات الأفامي الذي لم يطلب منا يوما غلق المؤسسات وفي الموقع الثاني كانت صلاحيات الحكومة محددة من طرف ندوة الوفاق الوطني وهي إبقاء الدولة واقفة بفضل استراتيجية عمل اقتصادي، أما التفاوض مع الإسلاميين فكان تحت إشراف زروال''، وقال أيضا ''المفاوضات كانت سرية مع الأفامي، لا يعلم ما دار فيها إلا المفاوضون باسم الجزائر''·
وقال إنه ''بالرغم من ذلك كانت لدي الحرية الكاملة في العمل وقد اخترت حكومتي كاملة ما عدا عضو واحد كان قد اقترح علي وقبلته وأنا راض بالمقترح وليس مرغم''·
وعن توقعاته المقبلة في خضم التشريعيات ''لا أعتقد أن الشعب سيذهب بقوة للشريعيات كونه فقد الثقة في السلطة''، مضيفا أن ''بوتفليقة ورؤساء البرلمان وأعضاء الحكومة اعترفوا بتزويرهم لانتخابات سابقة بتأكيدهم اليوم على أنهم سيضمنون انتخابات شفافة''·
مفاتيح الكلام ..حصيلة
لخص سيفي حصيلة خمسين سنة من الاستقلال واصفا إياها بالسلبية، وتساءل إن كان الأمر يتعلق بحصيلة أم حصائل (بالجمع)، وقال إن مشكلة الجزائر تكمن في سوء التسيير والرشوة والمحسوبية وتهميش الكفاءات العلمية وأن دولة الإستقلال لم تكن لا ديمقراطية ولا شعبية· وقال إنه من الصعب تقديم حصيلة شاملة لسنين الاستقلال بالنظر إلى غياب الآليات الموضعية التي تمكن من ذلك·
سلم
قال سيفي إنه مع انفجار ثورات الربيع العربي، اتجه النظام إلى شراء السلم الاجتماعي بالمال، لكن السلم لم يتحقق بعد والأمور تتجه نحو الانفجار، وقال إنه قال لعبد القادر بن صالح رئيس مجلس الأمة في جلسات الحوار مع الشخصيات الوطنية في جوان الماضي ''إن النظام يلعب بالنار''·
مفاوضات
مع أن المفاوضات مع قادة الحزب المحظور جرت عندما كان رئيسا للحكومة إلا أن مقداد سيفي ينفي علمه بتفاصيلها، وبرر ذلك بقوله أنه كان متفقا زمنها مع الرئيس اليمين زروال أن يتولى الأخير الملفات السياسية، حيث إن زروال أشرف بنفسه على تلك المفاوضات التي انتهت حينها إلى أفق مسدود·
تشاؤم
بدا مقداد سيفي متشائما من الوضع السياسي الحالي، وقال إن نفس الأشخاص على رأس نفس الأحزاب يتجهون إلى نفس المواطنين بنفس البرامج السياسية القديمة ونفس الوعود، وفي النهاية فإن المواطن لن يصدقهم، وقال إن الثقة غائبة بين طرفي المعادلة السياسية·
قوانين
قال سيفي إن تعديل الدستور وتغيير القوانين لا يدفع إلى حل المشكلة السياسية، وقال إنه أكد على ذلك في رسالته إلى عبد القادر بن صالح ضمن المشاورات السياسية في جوان ,2011 وقال إن لب القضية هو في احترام الدستور والقوانين وإذا لم تحترم الدستور فلماذا نضعه أصلا، وقال إن قوانين الانتخابات تغيّرت بالفعل، لكن التزوير لم يتغير مع أنه لم يكن مكتوبا في القوانين السابقة ولا اللاحقة، وقال إنه عوض تغيير القوانين، ينبغي تغيير السياسات·
صلاحيات
قال سيفي إنه مارس صلاحياته بشكل كامل كرئيس للحكومة وكوزير للتجهيز قبل ذلك، وقال إنه هو نفسه الذي اختار وزراء حكومته إلا وزيرا واحدا (رفض ذكر اسمه وذكر الحقيبة التي كان يحملها)، وقال إنه طيلة مهامه تلك لم يملِ عليه أحد ما يفعله، وهو المسؤول عن كل القرارات التي اتخذها في ذلك الوقت·
إشاعة
وصف مقداد سيفي الحديث عن فوز الراحل محفوظ نحناح برئاسيات 1995 بالإشاعة، وقال إنه كان رئيسا للحكومة التي نظمت تلك الانتخابات وكان اليمين زروال رئيسا للدولة، وكانت إرادة أعلى هرم السلطة هي تنظيم انتخابات حرة ونزيهة وقال إن الفائز الفعلي في تلك الرئاسيات هو الجنرال اليمين زروال·
''رايس فحل''
قال سيفي إن من الشعارات التي حملها الجزائريون في أحداث أكتوبر 1988 وما بعدها: ''ما نحبوش الفلفل لكحل، نحبوا رايس فحل''، فكان مصير الرئيس بوضياف قاتما وقد اغتيل، ليأتي اليمين زروال بشعار الجزائر القوية ليضطر للاستقالة بعد ذلك، ويخلفه بوتفليقة بشعار ''جزائر العزة والكرامة'' لكنه -يقول- بعد 13 سنة من ذلك لم يتحقق بعد الشعار على أرض الواقع·
أرقام الندوة
-- إنشاء قوة من الحراس البلديين قوامها 70 ألفا
-- إنجاز 184 ألف سكن ما بين 94 و 95
-- 5,8 مليار دولار كانت مداخيل الجزائر في الفترة نفسها
-- 9 ملايير دولار ديون الخدمات الفترة ذاتها
-- الأفامي رفض إعادة الجدولة على مدار أربع سنوات
-- مؤونة القمح كانت تكفي في أحسن ولاية لستة أيام في الفترة ذاتها
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق