الثلاثاء، 31 جانفي 2012

جزائريون يصلّون .. لغير القبـة

ينحرف اتجاه العديد من المساجد في الجزائر، عن موقع الكعبة بعدة درجات مئوية، رغم التطور التكنولوجي الذي تم التوصل إليه في تحديد الإتجاهات، مما جعل المصلين يحاولون استدراك الموقف بتحويل المحراب عن مكانه الأصلي، أو المطالبة بالهدم الكلي للمسجد وإعادة بنائه من جديد، حيث لم يقتصر هذا الأمر على المساجد الحديثة فقط ولكن طال حتى المساجد العتيقة، مما ولّد الكثير من المشاحنات والفتن خلصت بعضها إلى الهجر النهائي لبعض المساجد. 
وشككت تقارير رسمية رفعت إلى وزارة الشؤون الدينية والأوقاف بشأن اتجاه القِبلة بعدد من المساجد خاصة الجديدة منها، داعيا مديريات الشؤون الدينية الإعتماد على المصالح التقنية ووقوفها مستقبلا بشكل جدي، من أجل تحديد اتجاه القِبلة حتى تكون الصلاة صحيحة لأن ذلك شرط من شروط صحتها، خاصة أن اكتشاف انحراف المحراب عن القِبلة يولّد فتنا وصراعات بين المصلين قد تصل حد الفرقة، كما حدث ببعض المساجد، أين رفض المصلون الصلاة داخلها حسب التحقيق المميز الذي انفردت به صحيفة " النهار" الجزائرية. 
وجاء في أحد التقارير تلقت ''النهار'' نسخة منه أن العديد من المساجد ثبت انحراف اتجاه محرابها عن القِبلة، خاصة أن الأمر يتعلق أيضا ببعض المساجد التي هي قيد الإنجاز، في الوقت الذي توجد هناك أجهزة جد متطورة لتحديد اتجاه القِبلة بدقة كبيرة، حيث كان الأمر يبدو عاديا بالنسبة للمساجد القديمة، إلا أن انحراف المحراب في المساجد التي يتم بناؤها حاليا أمر ينذر بصراعات داخلها، على غرار ما وقع داخل البعض منها بالعاصمة وولايات أخرى.
وذكر معدو التقرير، أن عدد من المساجد فقدت قِبلتها وينبغي التدخل لتصحيحها، في الوقت الذي يرى البعض أن المشكل يكمن في البناء الصحيح للمسجد، وتحديد موقع المحراب، مما يؤدي في حالة أي أخطاء إلى انحراف عن القِبلة، وصلاة الكثيرين إلى زاوية المسجد، الأمر الذي يجعل المصلين في الصف الأول أقل من الثاني وهكذا، فيكون صف المنتصف أطول الصفوف.
وأثارت إشكالية القِبلة حالة من الإستهجان لدى شريحة واسعة من المجتمع، حيث تحدث التقرير عن مشاكل أخرى، تخص المساجد وصحة الصلاة، هذه الأخيرة التي لا تقل أهمية عن فقدان القِبلة منها ضعف أداء بعض الأئمة وأخطاؤهم حتى في قراءة سورة الفاتحة وتجاوزاتهم الفقهية والإقامة ودعاء القنوت وتكبيرات صلاة العيد.
محمد عيسى مدير النشاط المسجدي بوزارة الشؤون الدينية لـ''النهار'':'مئــات المساجد لم تحدّد قبلتها بدقة خاصة القديمة منها''
  تقارير بالجملة تتحدث عن انحراف قِبلة مساجد عريقة وتطالب بهدمها
كشف محمد عيسى مدير النشاط المسجدي بوزارة الشؤون الدينية أن مصالحه استقبلت العديد من التقارير حول مسألة القِبلة بالنسبة للمساجد، إلى درجة أن بعضهم طالب برخصة هدمها وإعادة بنائها من جديد، بغرض تحويل مقر المحراب الذي ينحرف عن القِبلة ببعض الدرجات، مؤكدا أن معظم المساجد خاصة التي تم إنشاؤها قبل 10 سنوات و20 سنة تنحرف عن القِبلة بنسبة معينة تصل إلى 20 درجة مئوية، أقل أو أكثر. 
وكشف محمد عيسى في اتصال مع ''النهار'' أمس، عن وجود العشرات من المساجد التي لم تضبط قِبلتها بشكل دقيق، أين اضطرت الوزارة الرد على استفسارات العديد من التقارير التي وصلت إليها وطلبات رخص إعادة الترميم، ذلك أن هذا الأمر لا يستحق كل ذلك، فالقِبلة حسب الأحاديث النبوية ما بين المشرق والمغرب، ومن العلماء الحاليين من أكد أن مسار القِبلة يكون فقط باتجاه الكعبة وأن لا يكون المصلي مجانبا بنسبة 90 درجة لها وما عدا ذلك فهو صحيح.
وأكد على أن بعض التقارير التي وصلت الوزارة كانت تتحدث عن مساجد تعود إلى عدة قرون، أنشئت مع بداية الفتح الإسلامي والقرون التي جاءت بعده، أين طالبوا بضرورة هدم هذه المساجد العتيقة من أجل تحويل محرابها إلى الإتجاه الدقيق للقِبلة، بسبب انحرافها قليلا عن مقر الكعبة، الأمر الذي لا يمكن الإستجابة له على أساس أن ذلك لا يخالف الأحاديث النبوية في تحديد القِبلة.
وأشار مدير النشاط المسجدي إلى أن بعض الشباب حاليا يصر على ضرورة تحديد القِبلة بدقة، ثم بعد اكتشافه لانحراف المحراب عنها ببعض الدرجات يسعى لإثارة الفتنة أو المطالبة بإعادة بناء المسجد من جديد، في الوقت الذي قال إنه من الجيد الإعتماد على هذه التقنية في بناء المساجد الجديدة، لكن لا ينبغي إعادة المساجد القديمة لمجرد انحرافها قليلا، رغم أن الأحاديث النبوية لم تجبر التقيد بالإتجاه الدقيق إلا لمن كان يرى الكعبة مباشرة.
وأضاف ذات المسؤول أن معظم المساجد على المستوى الوطني لم يتم تحديد قبلتها بشكل دقيق، وإنما اعتمدت فيها الطريقة التقليدية باتباع مركز طلوع الشمس، ذلك أن أغلبها قديم وعدد قليل مقارنة مع العدد الإجمالي للمساجد بني حديثا، حيث تم اتباع الطرق الحديثة في تحديد اتجاه القبلة على مستوى البعض منها، من أجل تفادي أي إشكال قد ينجر عن هذا الأمر. موسى بونيرة
لوط بوناطيرو العالِم الفلكي يؤكد لـ''النهار'':''كل مسجد ينحرف عن القِبلة بأزيد من 15 درجة يجب تغيير المحراب به''
أكد العالم الفلكي لوط بوناطيرو في تصريح إلى''النهار'' أمس، أن كل مسجد منحرف عن القِبلة بأزيد من 15 درجة يجب تغيير المحراب به، ''غير أنه وفي حال ما إذا كان أقل لا يمكن أن نعتبره مشكلا وهذا عملا بالآية الكريمة من سورة البقرة 115 ولقوله سبحانه وتعالى ''ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم''.
وفي السياق ذاته، كشف المتحدث عن وجود العديد من المساجد التي تعرف انحرافات قليلة وهناك مساجد تعرف انحرافات كبيرة وأن السكان ووزارة الشؤون الدينية والأوقاف على دراية بالأمر، مشيرا في الوقت نفسه إلى أنه علميا هناك عدة طرق وآخرها يتم تحديد القبلة عن طريق القمر الاصطناعي وهذا من خلال تحديد اتجاه بين المسجد والمسجد الحرام وهي تعتبر أحدث طريقة، فضلا عن ذلك أفاد بأنه خلال الزيارة الميدانية التي قام بها إلى كل من مسجدي سطاوالي وعنابة تم اكتشاف بأن الانحراف بهما يتجاوز 15 درجة، لذا طالب منهم بضرورة تغيير المحراب بالداخل.
بوناطيرو أكّد انحرافها بـ 15 درجة
المصلّون يهجرون مسجد أبي بكر باسطاوالي لانحراف القبلة بـــــــــه
اكتشف سكان بلدية اسطاوالي، بعد سنة من تدشين مسجد أبي بكر الصديق -رضي الله عنه،أن هذا المسجد منحرف عن القبلة، ما ولد صراعات بين المصلين حول الرجوع إلى المسار الدقيق للقبلة أو الاستمرار في الاتجاه القديم، الأمر الذي أدى إلى فتنة بين المصلين وهجرة المسجد خاصة بعد الخطبة التي ألقاها إمام المسجد، مؤكدا على ضرورة الصلاة باتجاه المحراب، مشيرا إلى أن القبلة تقع بين المشرق والمغرب.ولتقصّي الخبر عن قرب، اقتربت ''النهار''، أمس، من بعض المصلين بمسجد أبي بكر الصديق رضي الله عنه الواقع بحي الجيلالي ضمن إقليم بلدية اسطاوالي بالعاصمة، حيث أكد مصلون أن المسجد شرع في إنجازه سنة 2003 من طرف أحد المحسنين الذي لم يتأكد من اتجاه القبلة وقام بإنجازه دون استشارة ليتفاجؤوا بعد انتهاء المشروع سنة 2005 أنه تم إنجازه مخالفا للقبلة غير أنه بات من المستحيل هدمه وإعادة بنائه، ففضلوا تركه على حاله ليتم بعدها تدشينه يوم 14 أكتوبر2005 من قبل وزير الشؤون الدينية والأوقاف الدكتور أبو عبد الله غلام الله وطرح المشكل، حيث تم إرسال لجنة متكونة من عدة خبراء وأهل الاختصاص فأكد لهم الخبير في علم الفلك، لوط بوناطيرو، أن المسجد منحرف عن اتجاه القبلة بـ 15 درجة فقط، إلا أن بعض المصلين رفضوا الصلاة في الاتجاه الذي تم تحديده وطالبوا بالرجوع إلى المسار الدقيق للقبلة، مما ولد فتنة كبيرة في أوساط المصلين ودخلوا في صراعات دينية فطالب على إثرها الإمام في خطبة الجمعة من أجل الفصل في القضية من طرف المصلين بضرورة الصلاة باتجاه المحراب، مشيرا إلى أن القبلة تقع بين المشرق والمغرب ومن أراد أن يصلي في ذات المسجد فليصلي ومن لم يرد فله ذلك، وهي الحادثة التي وقعت بعد سنة من تدشين المسجد من قبل الوزير الوصي، وعلى حد قول أحد المصلين الذين التقيناهم أمس فإن المشكل لا يزال قائما ولايزال المصلون يصلون في نفس الاتجاه القديم، مما أدى إلى نفور العديد من الصلاة فيه. 
الشيخ شمس الدين لـ''النهار'':''الصلاة صحيحة ما لم يستدبر المصلي القبلة..''
قال الشيخ شمس الدين إن تحديد قِبلة المساجد مرتبط باتجاه القِبلة وليس من الضروري أن يكون المحراب باتجاه الكعبة مباشرة، ولكن الواجب هو أن يكون باتجاهها كما جاء في الآية الكريمة التي تطالب بضرورة الإتجاه شطر المسجد الحرام، مشيرا إلى أن كل من صلى باتجاه القِبلة فصلاته صحيحة سواء انحرف عنها بـ10 درجات أو 20 درجة والمهم أن لا يكون مستدبرا القِبلة.
وأضاف الشيخ في اتصال مع ''النهار'' أمس، أن القول بضرورة هدم المساجد بسبب القِبلة هو الخطأ بعينه، فالصلاة صحيحة في جميع الأحوال ما دام المحراب باتجاه الكعبة، إلا أنه في حال حدث أي خلاف فيمكن أن يغير المصلون اتجاههم دون هدم المحراب ولا المسجد، ثم إنه من غير المعقول أن تهدم مساجد عريقة من أجل أنها تخالف اتجاه القبلة بـ15 درجة أو 20 درجة رغم أن الأحاديث النبوية تؤكد أن القِبلة هي أن يولي المصلي وجهه باتجاه الكعبة. وأكد شمس الدين أن تحديد الشرع للقِبلة والتحديد الفلكي لها يختلفان تماما، ذلك أنه حتى إن تمكنا من ضبط اتجاه المحراب بالنسبة للقِبلة للكعبة بدقة، فإننا سننحرف عنها بعدة درجات في الزاوية اليمنى أو اليسرى خاصة في المساجد الكبيرة التي يصل عرضها إلى 100 متر، ومن تجب عليه الإتجاه بكامل جسده إلى الكعبة هو من كان ينظر إليها مباشرة، معتبرا الحملات المغرضة التي تطالب بهدم المساجد بسبب القِبلة هدفها التخلص من المساجد وليس تصحيح قِبلتها. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق