يضطر الكثير من الأشخاص إلى إخفاء أسماء عائلاتهم لتجنب الإحراج والاستهزاء من طرف المحيطين بهم، ليجدوا في تغييره الحل الأنسب الذي يخلّصهم من عبء كبير وضغط لازمهم لسنوات. ولئن كانت وزارة العدل خففت ذلك عن أزيد من 1850 عائلة، تبقى المدة الطويلة التي تستغرقها الإجراءات هاجس الكثيرين ممن ينتظرون تسوية وضعيتهم.
لجأت الكثير من العائلات الجزائرية إلى العدالة من أجل التخلص من أسماء مشينة، أورثهم إيّاها المستعمر الفرنسي، والتي سبّبت لهم الكثير من الإحراج على مدار سنوات من الزمن، حيث نجد منها ما ينسب إلى أحد أعضاء الجسم، كبوراس، بوكراع، وأخرى كأسماء الحيوانات، مثل بومعزة، بوبقرة، دماغ العتروس، قرد، حمار، كلب، سبع، وأخرى مشينة ومحرجة ومثيرة للسخرية منهم، على غرار كنّاس، طبال، بوشاقور وغيرها كثير من الألقاب التي التصقت بالجزائريين وجعلتهم عرضة للسخرية ومصدرا للذل والخجل حسب ما أوردته صحيفة " الفجر" الجزائرية.
مواطنون يتيهون في أروقة الإدارات للتخلص من أسمائهم “المشينة”
وحول ذلك هناك عينات كثيرة امتلأت بطلباتها أدراج وزارة العدل، لتأتي فرصة التغيير كآخر حل للتخلص من حمل أثقل كاهلهم لسنوات. ومحالة منا لكشف معاناتهم، تقربنا من البعض.
بدايتنا كانت مع سيد تردّد كثيرا في إعطائنا اسم عائلته الحقيقي، لأنه كان يقترب كثيرا من أحد الشتائم، هذا السيد الذي يبلغ من العمر 43 سنة أخذ على عاتقه مبادرة تخليص العائلة مما أسماه وصمة عار ملفّقة، وذلك بعد اطلاعه على حقه في ذلك، موضحا أن الفكرة لاقت ترحيب كل أفرد عائلته الذين ذاقوا ذرعا بردود أفعال الناس عند سماعهم للقبهم.
أما السيدة فهيمة والتي تحمل عائلة زوجتها اسم حيوان، فقد أبدت رغبتها الشديدة في تغيير هذا الاسم، معبّرة عن سخطها لطول فترة الإجراءات، فزوجها شرع في هذه المعاملة منذ خمسة أشهر ولم يحظ بعد بالتغيير. نفس الشيء بالنسبة للسيد حسين الذي قضى أكثر من سبعة أشهر في انتظار تخليصه من كابوس اسم “بوقزوحة” الذي ظل يلاحقه منذ ولادته. وعلى حد قوله، فقد حوّل حياته إلى جحيم.
وهو حال العديد من العائلات التي اعتبرت الإجراءات الروتينية الطويلة الأمد من أكثر العوائق التي تحول دون تمكّنها من الاستفادة بحق تغيير اللقب.
.. وآخرون يرفضون “التنكّر لشجرة العائلة”
وعلى خلاف الحالات السابقة، فإن هناك فئة أخرى من العائلات تأبى تغيير أسماء عائلاتها، رغبة منها في الحفاظ على الأصول وجذور العائلة. فالسيد جمال على سبيل المثال يرفض تغيير لقب العائلة رفضا باتا، على الرغم من الإلحاح المتكرر من طرف أبنائه على هذا الأمر، معتبرا إقدامه على ذلك بمثابة التنصل من جذور العائلة، والتنكر للأجداد وشجرة العائلة، علما أن اسم عائلته مشين ويحمل معنى كلمة قبيحة باللغة الأمازيغية، لكنه يعتز به ويرفض أن يفاتحه أي شخص في موضوع تغييره.
وفي سياق متصل، تضيف السيدة حنان أن والدها أوصى كل أفراد العائلة بعدم تغيير اسم العائلة بعد موته، بعدما اقترح عليه العديد منهم تغييره في مرات كثيرة، وعليه فعائلة “كلاها النمر” تبقى تحمل هذا الاسم على مر السنين.
تغيير الألقاب المشينة وأسماء الحيوانات فقط
وفي هذا السياق، كشف السيد أحمد علي صالح، مدير الشؤون المدنية وختم الدولة، أن 1850 عائلة استفادت من حقها في التخلص من الألقاب غير الملائمة، موضحا أن العدد في تزايد مستمر خاصة وأن قرابة الألف طلب قيد الدراسة على مستوى الوزارة في مراحل متفاوتة من التحقيقات والإجراءات اللازمة للوصول إلى النتيجة النهائية. وعن الإجراءات اللازمة لذلك، أضاف نفس المتحدث أن تغيير اللقب مشروع حسب المادة الأولى من قانون الحالة المدنية، التي تنصّ على أن كل من يريد تغيير لقبه، يُطلب منه أن يتقدم بطلب مسبب لمعالي وزير العدل، الذي يكلف بدوره النائب العام للدائرة الإدارية الذي يقوم بزيارة ميدانية إلى مكان ولادة المعني بالطلب، من أجل إجراء تحقيق، لأن تغيير الألقاب يمس بصفة وهوية الأشخاص، حيث بتغيير اللقب ستتغير الهوية تماما، كما أن قبول طلب التغيير مشروط بعنصر جوهري وهو أن يكون ذلك اللقب مشين أو اسم حيوان. كما برّر طول مدة هذه المعاملة بكل التحقيقات بالإضافة إلى حساسية الموضوع.
يمكن تغيير اللقب للهروب من الماضي المشين والسوابق العدلية
من جهته، كشف العربي لونيس، رئيس مكتب تغيير الألقاب على مستوى وزارة العدل أن سبب القيام بهذه الإجراءات الدقيقة هو لعدم التهرب، فمثلا إذا كان هناك شخص يريد التهرب من ماضيه السيئ أو له سوابق غير مشرفة، ويرغب في تلميع صورته أمام العدالة، سيقبل على تقديم طلب تغيير لقبه، كما أن هناك العديد من الأشخاص الذين كانوا إبّان الاستعمار حركى وخونة، وماضيهم لا يشرفهم يعمدون إلى تقديم هذا الطلب من أجل تغيير هذه الهوية غير المشرفة إطلاقا.
وعند قبول الطلب يتم نشره في الجريدة الرسمية لمدة ستة أشهر، لكي يطلع عليه جميع المواطنين، ليتمكّنوا بالتالي من الاعتراض عليه، لأنه لو اختار ذلك الشخص لقبا له يكون مشابها لأحد الألقاب، يمكن للآخرين الاعتراض عليه ويرفضون ذلك الطلب، لأنه أولا لا يملك أية علاقة مع الأشخاص الحاملين لنفس اللقب، وثانيا لعدم اختلاط العائلات لتفادي وقوع المشاكل. ليضيف ذات المتحدث أن الاعتراضات في هذا الشأن ترفع أيضا لمعالي وزير العدل، خلال مدة الستة أشهر، ابتداء من يوم النشر بالجريدة الرسمية، وبعد دراسة الملف وانقضاء المهلة، يقدم إلى لجنة ممثلة بممثلين عن وزيري العدل والداخلية، يعينان لهذا الغرض من طرف السلطة التابعة لها.
وعن إمكانية أن يتسبب تغيير اللقب في مشاكل بين أفراد العائلة الكبيرة، يقول محدثنا إنه يمكن أن تستغل كثغرة قانونية في قضايا الميراث، لأن هذا الشخص يصبح غريبا عنهم لعدم حمله لنفس لقبهم، غير أنه في شهادة الميلاد يكتب اللقب الجديد مع الإشارة إلى اللقب القديم.
الأخصائية النفسية “تغيير الاسم يتطلب تغيير البيئة”
وفي ذات السياق، تقول الأستاذة المختصة في الأمراض النفسية “نسيمة ميغري” إن الاسم من أهم عناصر الهوية الشخصية للإنسان، لذا فهو يلعب دورا مهما في تكوين شخصيته، لذا فإن وجود ما يعيب أو يخجل في هذا الاسم يسبب الكثير من المشاكل النفسية للفرد.
كما لا ترى محدثتنا وجود فارق في التأثير السلبي للاسم بين من هو أكبر سنا وبين الصغير، بل تقول إن الشخص الراشد يختلف عن الصغير من حيث كونه قد يتحمّل الإحراج أكثر.
وعن تغيير إمكانية تغيير الاسم، تقول الأستاذة نسيمة إن إتاحة هذا الحل، بالرغم من كونه سيساعد في محو جزء من القلق الذي يسببه هذا اللقب، إلا أنه يبقى من وجهة نظرها غير كافٍ، لا سيما إذا بقي الفرد في نفس بيئته التي لا تستطيع أن تنسى ذلك الاسم بمجرد تغييره في الحالة المدنية، فإن ذلك لا يريح الفرد من الضغوط بشكل كافٍ؛ لذا تحبّذ نفس المتحدثة أن يحاول المعني تغيير مدينته إلى أخرى أين يستطيع التخلص من الإزعاج الذي كان يسببه له اسمه القديم بصفة نهائية.
.. وللتصحيح حكاية أخرى مع المواطنين
من جهة أخرى، هناك عدد لا يستهان به من العائلات التي تعاني من الأسماء بشكل آخر. يتعلق الأمر بالأخطاء في أسماء العائلات والتي من شأنها أن تحدث العديد من الاختلالات في تعاملاتهم اليومية الإدارية، نذكر منها الحالات التي تسبب الخطأ في حرف واحد في حرمانهم من حقوقهم وتوريطهم في متابعات قضائية هم أبرياء منها.
وفي هذا السياق، نذكر حالة السيدة “وسيلة.ع” التي تقاعدت من التدريس منذ سنتين ولم تستفد من منحة التقاعد، بسبب زيادة حرف في اسم عائلة زوجها والتي تطلّبت قضية تصحيح في اللقب، ما جعلها تمر بسلسلة من المعاملات الإدارية الروتينية على مستوى دائرتها الإدارية، إلى غاية إصدار حكم يقضي بتصحيح الاسم في الوثائق الرسمية.
وهو نفس العائق الذي تسبّب في تعطيل نجوى عن الزواج لمدة ستة أشهر إضافية، فاسمها في بطاقة التعريف الوطنية التي صدرت منذ خمس سنوات هو نجوى، ولكن ثبت أنه في سجلات الحالة المدنية ثبت خطأ وكتبت “نجمة” لتجد نفسها أمام ضرورة تغييره في كل وثاقها حتى تتمكّن من إكمال إجراءات عقد الزواج.
وفي سياق متصل، أكد بعض الموطنين ممن اضطروا إلى تصحيح أسمائهم بعد أخطاء ارتكبها موظفو الحالة المدنية، أن إجراءات هذه العملية تستغرق وقتا طويلا قد يصل إلى ستة أشهر من الانتظار والتنقل من إدارة إلى أخرى.
وفي هذا السياق، أوضحت حسيبة أنها تملك شهادتين جامعيتين تحمل في كل واحدة اسما مغايرا، لأن إجراءات تصحيح اسم عائلتهم بحذف ألف استغرقت سنوات جعلت الأولى تحمل اسم والثانية بالآخر.
والأدهى من ذلك أن أخطاء الترجمة في الألقاب على مستوى البلديات من الفرنسية إلى العربية تجرّ وراءها العديد من التعقيدات بالنسبة للأشخاص، يتعلق الأمر بترجمة الأسماء من الدفاتر العائلية القديمة والتي كتبت معظمها باللغة الفرنسية، ليحدث الخلل على مستوى بعض الحروف على غرار الراء والتاء، مثلما توضح “ص.ت”، حيث رفضت إدارة الجامعة قبول تسجيلها بعد خطإ من هذا النوع، ترجم فيه موظف البلدية حرف “تي” بالطاء بدل من التاء، وهو ما جعلها تضطر لتصحيح كل وثائق نجاحها، وهو ما استغرق فترة لا يستهان بها جعلتها تتأخر عن الالتحاق بمقاعد الدراسة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق