الأحد، 11 ديسمبر 2011

جزائريات ‭ ‬على‭ ‬استعداد‭ ‬لدفع‭ ‬حياتهن‭ ‬مقابل‭ ‬منصب‭ ‬العمل

الجزائر - الشروق اليومي/ ليلى‭ ‬مصلوب

image

مع كل مساء تعج حافلات نقل المسافرين نحو كل الاتجاهات وتمتلئ مقاعد قطارات الضواحي الشرقية نحو الرغاية، بومرداس وتيزي وزو والناحية الغربية الى العفرون وخميس مليانة بوجوه نسائية من كل الأعمار منهكة خائرة القوى بعد ساعات من العمل في مختلف القطاعات وبكل المستويات من عاملات نظافة في شركات خاصة أو عمومية إلى طبيبات ومهندسات وأساتذة متزوجات، عازبات ومطلقات وأرامل

  •  ولا تكاد الناقلة تغادر موقفها إلا وغاصت هذه الوجوه الشاحبة في النوم من شدة الإرهاق، حالات ونماذج لا يمكن تصورها عن قساوة ما تتحمله السيدات مقابل "الشهرية" التي تكون مغرية بالنسبة للبعض، في حين لا تكاد تغطي أحيانا جزء مما تعانيه أو تنفقه بعض العاملات بين وسائل النقل وسيارات الأجرة من مكان لآخر، وصولا إلى منصب عملها الذي يبعد في بعض الأحيان خمس ساعات بين الذهاب والإياب، وتركب ثلاث حافلات على الأقل في اليوم انطلاقا‭ ‬من‭ ‬العاصمة،‮ ‬وفي‭ ‬المساء‭ ‬تدفع‭ ‬100‭ ‬دينار‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬ثمن‭ ‬سيارة‭ ‬أجرى‭ ‬لتجمع‭ ‬أبناءها‭ ‬الذين‭ ‬توزعهم‭ ‬كل‭ ‬صباح‭ ‬بين‭ ‬دار‭ ‬الحضانة‭ ‬ويعص‭ ‬الأقارب‭ ‬والمربيات‭.‬
    هذه النماذج تصور مدى قدرة السيدة الجزائرية على تحمل المشاق والصعاب والتعب وتدفع الفاتورة من صحتها وراحتها وعائلتها ولا تتخلى عن منصب عملها الذي تصل إليه مهما كلفها الأمر، وتكون قد فازت عن الرجال الذين ينقطعون عن العمل ويتخلون عنه إذا كان بعيدا أو الراتب زهيدا‮.‬
    اقتربنا من سيدة كانت تقل قطار العاصمة - بومرداس، وكانت تبدو مثقفة لانها تحمل حقيبة كمبيوتر ونظارات طبية، يداها نقيتان من دون طلاء أظافر ورجلاها مرتاحتان في كندرة بدون كعب عال، هيئتها عاملة في منصب لا بأس به، بدأت تنظر إلى ساعة اليد، وتقول لقد تأخر القطار سأصل متأخرة، بعد حديث عرفت أنها طبيبة من ضواحي بوزريعة بالعاصمة تعمل في عيادة بولاية بومرداس، تتنقل من مقر إقامتها إلى الابيار في الحافلة ثم إلى ساحة أول ماي في سيارة أجرة، حيث تقضي قرابة الساعة والنصف مع الازدحام لتصل إلى محطة القطار في بلكور لتتوجه إلى العمل، وهي متزوجة وأم لثلاثة أطفال، تتقاضى راتبا لا بأس به، لكنها لم تتمكن بعد من جمع ثمن سيارة، نظرا لغلاء المعيشة كما تقول، إنها تعمل لأنها طبيبة، يعني سمعة وهيبة وواجب إنساني، درست لأجله سنوات في الجامعة ولم تجد بعد سببا قويا يمنعها من ترك العمل بسبب بعض التعب‭ ‬سيزول‭ ‬مع‭ ‬حمام‭ ‬ساخن‭ ‬أو‭ ‬النوم‭ ‬لساعة‭ ‬من‭ ‬الزمن،‭ ‬حتى‭ ‬التزاماتها‭ ‬الأسرية‭ ‬مع‭ ‬الأولاد‭ ‬لم‭ ‬تمنعها‭ ‬من‭ ‬الخروج‭ ‬إلى‭ ‬العمل‭ ‬وهي‭ ‬محظوظة‭ ‬كونها‭ ‬تعمل‭ ‬ثلاثة‭ ‬أيام‭ ‬في‭ ‬الأسبوع‭ ‬فقط‮.‬
    مثال آخر لسيدة في الثلاثين من العمر تتنقل يوميا من ولاية تيزي وزو إلى المحمدية أي تقطع مائتي كيلومتر ذهابا وإيابا وتدفع 360 دينار يوميا تمن تذكرة الحافلة تعمل في شركة للغازات الصناعية تقول إنها تعودت على التنقل وأن راتبها جيد متزوجة ولها طفل عمره ثلاث سنوات لا تنوي التوقف عن العمل مهما كلفتها الظروف تقول "أخرج من بيتي في تيزي وزو حوالي السادسة صباحا، أضع ابني عند المربية وأخذه في المساء وأدفع لها 6000 دينار شهريا، إضافة الى نفقاته اليومية كالغذاء الحليب والحفاظات، تقول أن الأعباء كثيرة لكن المهم أن تعمل ولا‭ ‬تبقى‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬لأنها‭ ‬درست‭ ‬وتعبت‮.‬
    ومن العاملات اللواتي التقينا بهن، سيدة نحيلة الجسم، تبدي ملامحها ما يفوق سنها، إنها ليست معلمة ولا مهندسة ولا تشغل منصبا مرموقا بل مجرد عاملة نظافة بشركة خاصة ببئر مراد رايس تتقاضى 12 ألف دينار شهريا، تقطع من أجلها مسافة 70 كلم، من العفرون بضواحي البليدة، كانت‭ ‬تردد‭ ‬عبارة‭ "‬شاقي‭ ‬ولا‭ ‬محتاج‭

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق