شابة تصرّ على تغيير اسمها يسرى ووالد أسمى ابنه على والده "لمطيش"
ما زالت الأسماء في الجزائر بالنسبة للمواليد الجدد لم ترس على بر الأمان لحد الآن بين من يطالب بترك الناس أحرارا يختارون الاسم الذي يريدون، وبين من يطالب بتقييدها بأسماء معينة لا يجب تجاوزها حتى لا تنفلت الأمور وتظهر أسماء لها أبعاد عقائدية وتاريخية خطيرة، خاصة أن هناك عائلات تقول إن أبناءها عانوا بسبب أسمائهم العربية في الغربة مما يهدد باختفاء العشرات من الأسماء الجزائرية الأصيلة، بسبب التطور التكنولوجي وانفتاح العالم من جهة وكذا بسبب التطورات التي أصبحت تشهدها الساحة العربية والدولية وتأثيرها الإعلامي على مختلف الشعوب من جهة أخرى.
وداعا لأسماء الأنبياء والرسل!
فبعد أن كانت العائلات تفضل تسمية مواليدها على أسماء الأنبياء والرسل وعلماء الدين إلى درجة أن ثلاثين بالمئة من مواليد أربعينيات القرن الماضي في قسنطينة كانت تسمّى "عبد الحميد" بعد وفاة العلامة في ربيع 1940، فقد أصبح موظفو مصالح الحالة المدنية في مختلف بلديات الوطن يواجهون العديد من المشاكل مع المواطنين بسبب رفضهم لعشرات الأسماء التي يفضل الأولياء إطلاقها على مواليدهم الجدد، لعدم ارتباطها بالثقافة الجزائرية العربية أو الأمازيغية من جهة، وكذا لعدم ورودها في قاموس الأسماء المعتمد من طرف وزارة الداخلية والذي يضم أكثر من 600 اسم من جهة ثانية. لكن على الرغم من ذلك فإن العديد من العائلات في مناطق مختلفة من الوطن تأثروا بالمحيط الخارجي وأصبحوا يفضلون تسمية مواليدهم على أسماء أبطال المسلسلات التركية أو المكسيكية وهي في الغالب شامية المصدر.
مواليد بأسماء ملكات الجمال
بعد أن ظل اقتباس الأسماء محصورا على بعض أبطال المسلسلات المصرية والفنانات وملكات الجمال، قبل أن يتطور ليشمل أسماء بعض الأبطال الحقيقيين للقومية العربية وقادة مختلف الثورات على غرار الرؤساء والزعماء العرب، وفي خضم ما أفرزته التطورات والأحداث التي يشهدها العالم في القرن الحالي، أصبحت العائلات الجزائرية تفكر حتى في مستقبل أبنائها بمحاولتها تقييد مواليدها بأسماء أوروبية قد تتعارض مع ثقافة المجتمع الجزائري، من أجل حمايتهم في المستقبل من التمييز في المجتمعات الأوروبية إذا ما كتب لهم السفر أو العيش في إحدى بلدانها. ويعترف موظفو مصالح الحالة المدنية في البلديات بالصعوبات التي يواجهونها بصفة يومية تقريبا مع بعض العائلات التي تريد تسمية مواليدها بأسماء غريبة أو غربية، فيما يقوم بعض الأعوان بتقييدها رغم مخالفتها للنصوص القانونية لعدم وجودها على قائمة الأسماء الواردة في قاموس الحالة المدنية لوزارة الداخلية.
حيث كشف واقع المجتمع الجزائري عن بداية اختفاء العشرات من الأسماء الجزائرية الأصيلة، وحلت محلها أسماء فارسية وتركية وأخرى غربية ومكسيكية، وهو ما استدعى حسب بعض الجهات المسؤولة إعادة النظر في قاموس الأسماء الحالي، بعد عقد سلسلة من الاجتماعات بين رؤساء الدوائر وعمال مصالح الحالة المدنية في مختلف البلديات، لإحصاء وجمع الأسماء الجديدة التي أصبحت العائلات الجزائرية تفضل إطلاقها على مواليدها، ودراسة ما إن كانت تتوافق وثقافة التقاليد الجزائرية سواء كانت أمازيغية أو عربية، لإدراجها ضمن قاموس جديد للأسماء يضم نحو 200 اسم جديد، وهو القاموس الذي من المنتظر صدوره بداية سنة 2012 حسب مصادرنا.
أسماء تتحول إلى إحراج للأطفال بسبب غرابتها
ولن نكشف سرا إذا ما قلنا إن ظاهرة اقتباس الأسماء من الأفلام والمسلسلات أخذت انتشارا واسعا في مجتمعنا، تزامنا مع الاختيار المناسباتي للأسماء، حيث شهد مطلع الثمانينيات انتشار اسم الهواري في عدد من الولايات تأثرا برحيل الرئيس الراحل هواري بومدين، فيما شهد اسم صدام حسين انتشارا مع بداية التسعينيات نسبة للرئيس العراقي الراحل صدام حسين وولديه قصي وعدي، قبل أن تنتقل الظاهرة لتشمل قبل نحو سنتين أسماء نجوم المنتخب الوطني الجزائري وغيرها من الأسماء الأخرى التي قد تتسبب في حرج كبير لهؤلاء الأطفال عند بلوغهم سن الرشد، كما حدث للاعب الفرنسي فرانك ريبيري الذي أسمى ابنه سيف الإسلام.
لكن بين هذا وذاك، تبقى بعض التسميات الغريبة مفضلة لدى العديد من العائلات التي تبذل كل ما بوسعها لتقييدها في سجلات الحالة المدنية، رغم تعارضها مع الأسماء المعتمدة في قاموس الحالة المدنية أو لجهل معناها في أغلب الأحيان، في حين يرى البعض أن بعض التسميات العربية يجب أن تحذف من قاموس العائلات لارتباطها بالمقدسات ومساسها بالدين الإسلامي، مشكلة أخرى تطرح في كون بعض عمال الحالة المدنية لا يمتلكون مستوى ثقافيا محترما يُمكنهم من التفريق بين الغث والسمين في الأسماء، فمثلا هناك أسماء من صميم القاموس العربي وأحيانا لصحابة كرام كما حدث مع شاب طلب اسم شرحبيل وهو مشتق من اسم البطل شرحبيل ابن حسنة ولكن طلبه رفض.
ولعل البعض ما زال يذكر ما قامت به سيدة عاصمية في سبعينيات القرن الماضي عندما تم عرض مسلسل اللقيطة من بطولة زيزي البدراوي حيث أسمت ابنتها "لقيطة" وهي لا تدري ما اقترفته في حق ابنتها ولا يدري معنى الكلمة القبيحة موظف الحماية المدنية، وتكاد ترسم الأحداث الوطنية والعالمية خارطة الأسماء في الجزائر، فخلال الأزمة التي اندلعت بين الجزائر ومصر طالبت شابة يتغيير اسمها من يسرى إلى عائشة، وقالت إن الفنانة يسرى أساءت للشهداء بينما عائشة أم المؤمنين أساء لها الشيعة، وبالرغم من أن الأسماء القبيحة انقرضت بشكل نهائي إلا أن استثناءات ما زالت تصنع بعض المآسي مثل الذي أسمى ابنه على جده "لمطيش" في ولاية قسنطينة حيث يختار الجزائريون هناك أسماء قبيحة ويقولون إنها لن تحسد؟
ناصر/عصام بن منية الجزائر - الشروق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق